مقدمة

إنّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضللْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وبعد :

Alhamdulillah, berkat Taufiq serta Hidayah-Nya, akhirnya blog sederhana ini dapat terselesaikan juga sesuai dengan rencana. Sholawat salam semoga selalu tercurah kepada Nabi Muhammad SAW beserta keluarga dan sahabat-sahabatnya.

Bermodal dengan keinginan niat baik untuk ikut serta mendokumentasikan karya ilmiah perjuangan Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, maka sengaja saya suguhkan sebuah blog yang sangatlah sederhana dan amburadul ini, tapi Insya Allah semua ini tidak mengurangi isi, makna dan tujuhan saya.

Blog yang sekarang ini berada di depan anda, sengaja saya tampilkan sekilas khusus tentang beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, mengingat dari Ponpes Al Anwar Karangmangu Sarang sudah memiliki website tersendiri yang mengupas secara umum keberadaan keluarga besar pondok. Tiada lain tiada bukan semua ini sebagai rasa mahabbah kepada Sang Guru Syaikhina Muhammad Najih Maemoen.

Tidak lupa saya haturkan beribu terima kasih kepada guru saya Syaikhina Maemoen Zubair beserta keluarga, terkhusus kepada beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen yang selama ini telah membimbing dan mengasuh saya. Dan juga kepada Mas Fiqri Brebes, Pak Tarwan, Kak Nu'man, Kang Sholehan serta segenap rekan yang tidak bisa saya sebut namanya bersedia ikut memotifasi awal hingga akhir terselesainya blog ini.

Akhirnya harapan saya, semoga blog sederhana ini dapat bermanfa’at dan menjadi Amal yang di terima. Amin.

Minggu, 30 Mei 2010

الشذرات اللماعة في بعض أصول أهل السنة والجماعة

الحمد لله الذي وفق من اصطفاه واجتباه للتفقه في دينه الحنيف الذي أجل علومه هو معرفة عقائده وأصوله من بين أحكام الشرع المنيف, أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شهادة تنجي قائلها من كل هول مخيف. وصلاة الله وسلامه على سيدنا محمد الذي هو أجل حبيب إلى ربه وأشرف شريف. وعلى آله وصحبه وتابعيه إلى يوم جزاء الحكيم اللطيف.
أما بعد: فقد طلب مني إدارة اتحاد الطلبة الكرام الذين يدرسون ويتعلمون العلوم الدينية الإسلامية بالمدرسة "مفتاح الفلاح" السنورية الطوبانية, بارك الله فيها وفي أساتيذها وطلابها وكذلك سائر المدارس والمعاهد السنية السلفية آمين أن ألقي إليهم محاضرة علمية وبحثا منصفا عن حقيقة أهل السنة والجماعة وليس عندي كبير علم في هذه القضية الجليلة ولا كثير عدد من المصادر والمراجع المعتمدة ولكن رجاء لدعائهم والتماسا لبركة الأخوة العلمية الدينية أجبتهم إلى طلبتهم وبادرت إلى تلبيتهم فأقول وبالله التوفيق والإعانة وعلى نبيه الصلاة والسلام في كل آونة:
اعلم أن شرط معرفة الحقائق العلمية الرجوع إلى أهلها الخبيرين بها الغواصين في دقائقها وأسرارها الذين قد انتهوا من البحث عن خباياها وزواياها.قال تعالى:  فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. بالبينات والزبر . وأهل الذكر في هذه الأمة المحمدية هم العلماء الفقهاء الحكماء الأخيار الذين قد تربوا وأخذوا واستفادوا ممن أدركوه من الشيوخ الأجلاء وهكذا مشايخهم أخذوا عمن قبلهم حتى ينتهي السند المتصل المتسلسل إلى الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين فإلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم:  إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم (2)  . وقال:  يحمل هذا العلم من خلف عدوله (3) . وهذه قاعدة مطردة في جميع فنون العلم سواء الديني والدنيوي وسواء العقلي والحسي. وقد تفضل الله وأنعم على العالمين والناس عموما وعلى الأمة الإسلامية خصوصا بإنزاله سبحانه وتعالى كتابه الحكيم وتكليفه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بيان الكتاب قولا وفعلا وعملا وتقريرا. فسنته صلى الله عليه وسلم وحدة واحدة لتفسير وتبيين القرآن العظيم كما قال تعالى:  وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم . (سورة النحل : 44). وقال تعالى:  لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثير . (سورة الأحزاب: 21), وقال تعالى:
 وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا . (سورة الحشر: 7), وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها: " (كان خلقه القرآن(4) )" أي يمتثل صلى الله عليه وسلم أوامر القرآن وينتهي عن نواهيه ويتأدب بآدابه )", وقال صلى الله عليه وسلم: " أدبني ربي فأحسن تأديبي(5)".
فالعلم الديني في الجملة هو معرفة أحكام الله الإعتقادية والعملية والخلقية مأخوذة مباشرة أو بواسطة دقة الاستنباط من كتاب الله وسنة رسوله وقد اصطلح العلماء أهل الاختصاص بعلم الشرع الخبراء فيه واتفقوا على وجوب التمسك بما عليه أهل السنة والجماعة وأنهم مع اختلاف طبقاتهم وتنوع درجاتهم هم الطائفة الظاهرة على الحق العاضة عليه بالنواجذ الثابتة على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين من بعده وقد كان من سنتهم العمل بأحكام الله التي نص عليها في القرآن أو بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم كدعوة الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والتمسك بمبادئها ولوازمها بكل الطرق والوسائل الصحيحة السليمة وإقامة الصلوات والجمعات في المساجد الجوامع وغيرها وصرف الزكوات إلى مستحقيها الثمانية وإثبات دخول رمضان أو خروجه اعتمادا على الأهلة التي قال تعالى:  ويسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج .(سورة البقرة: 189). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :  صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته (6)  , وتوضيح مناسك الحج وتأمير الأمراء فيه وتسهيل أمور الرحلة إلى المشاعر المقدسة قال تعالى:  يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ولا الهدي ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا .(سورة المائدة: 2).
فأهل السنة والجماعة هم الذين يسيرون في أمور دينهم الشاملة للعقائد والعبادات والمعاملات وشئون القضاء على إرشادات السنة النبوية وتوجيهات جماعة الصحابة والسلف الصالحين لا يخرجون عنها قيد أنملة ولا يميلون عنها قدر شبر خصوصا في أمور العقائد الحنيفية أي المائلة عن عقائد سائر الأديان إلى التوحيد الخالص للإله الحق عز وجل والإيمان الكامل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه جل وعلا فأصولهم في العقائد معروفة مشهورة طفحت بها الكتب المخصوصة بهذا الفن وشحنت بها تآليف الأجلاء الكرام منهم إماماهم ومقدماهم في الفن الإمام أبو الحسن الأشعري والإمام أبو منصور الماتريدي.

وخلاصة فكرتهم ومنهاجهم في الاعتقاد هي الدفاع عما عليه النبي الكريم وصحبه الكرام من التوحيد وأفراد العبودية والألوهية لله عز وجل وإثبات جميع صفات الكمال التي نص عليها في القرآن أو الأحاديث الصحيحة مثل السمع والبصر والكلام والقدرة والإرادة والحياة والعلم لله سبحانه وتعالى. والتأويل الإجمالي للنصوص التي ظاهرها إثبات الجوارح لله سبحانه كالوجه والعين واليد والاستواء على العرش وحملها على المعاني الكاملة التي ليست بجسمية ولا تركب ولا تجزئ ولا تحيز ولا احتياج إلى الأبعاض والآلات كما عليه الخلق تعالى الله عن مشابهة خلقه علوا كبيرا لكن يجب علينا إجراء هذه النصوص وقراءتها على ما هي عليه والإيمان بأسمائها وحقائق معانيها الكاملة التي تليق بجلاله وكماله بدون تدخل وتعرض لإثبات الصور والكيفيات المشابهة لما عليه الخلق.
ومن لوازم وأسس اعتقاد كمال الله في الألوهية اعتقاد حقية كتبه وملائكته ورسله واليوم الآخر وقضائه وقدره الشامل لكل خير وشر في الكون, فهذه الأشياء الخمسة لا بد أن تكون كاملة غاية الكمال في أجناسها فكتبه تعالى هي سور منزلة من كلامه الذي لا يتقيد بحرف ولا صوت ولا يوصف ببتقديم ولا تأخير ولا تنفد كلماته تعالى لو كتبت بماء البحر ومثله مدادا لها إلا أن الله تعالى بمقتضى رحمته وسعة فضله قد أنزل تلك الكتب السماوية باللغات المختلفة التي أهم أسسها هو الحروف وتراكيبها وجملها ومفرداتها. فالحروف أول شيء علمه الله تعالى أبانا آدم عليه السلام. قال تعالى:  وعلم آدم الأسماء كلها .(سورة البقرة: 31). وأعظم مقومات الأسماء بلا شك ولا ريب هي الحروف ولا نقول أن الحروف حاثة مخلوقة إلا باعتبار ما تلفظ بها اللافظ ونطق بها الناطق, أما قبل النطق بها وقبل كتابتها وقبل حلولها في القوى الحافظة أو المدركة فليست من الأشياء الحادثة المخلوقة بل من الأمر الإلهي الغيبي والعلم الرباني الذي أعطاه الله لأول أفضل أجناس خلقه آدم عليه السلام ولا نقول بأن الحروف قديمة بالإطلاق لعدم ورود هذا القول في الكتاب ولا في السنة (7), فنحن متمسكون بما عليه أهل السنة وعلى رأسهم الإمام أحمد رضي الله عنه القائل: القرآن كلام الله ليس بمخلوق. وزاد البخاري رضي الله عنه ونفعنا به آمين: "وتلفظنا به مخلوق". قال إمامنا الشيخ أبو الحسن الأشعري في كتابه الإبانة: "قولنا الذي نقول به وديانتنا التي بها ندين التمسك بكتاب الله وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث فنحن بذلك معتصمون وبما كان عليه الإمام أحمد بن حنبل قائلون ولمن خالف قوله مجانبون".
وملائكة الله تعالى هم عباده المكرمون الذين  لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . (سورة التحريم:6) وهم أجسام نورانية مقسومون إلى طوائف ذات أعداد كثيرة  وما يعلم جنود ربك إلا هو . (سورة المدثر: 31). وأجلهم جبريل عليه السلام الذي أنزل الله تعالى بواسطته كتبه على رسله وأجل الكتب السماوية هو القرآن العزيز الحكيم العظيم الذي أنزل بلسان عربي مبين على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي هو أعلى وأجل الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين, قال تعالى:  تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض .(سورة البقرة: 253), وقال:  وكان فضل الله عليك عظيما .(سورة النساء: 113), وقال تعالى:  وإنك لعلى خلق عظيم . (سورة ن:4), وقال تعالى:  ومن يطع الرسول فقد أطاع الله . (سورة النساء: 80).
وهؤلاء الرسل لا بد أن يكونوا أعلى طبقات البشر علما وعملا وليست الحظوظ الدنيوية كالثروة والرفاهية المعاشية معيار الكمال الإنساني كما هو معلوم مع اليقين بأنهم أيدهم ربهم جل وعلا بأنواع المعجزات اللائقة بمقامهم وبمدارك قومهم. وأجل المعجزات وأكبرها هو معجزة القرآن الكريم ويليه الإسراء والعروج بجسم وروح نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى حيث يكلمه ربه ويفرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس كل يوم وليلة.
فيجب لهم الصدق والأمانة والتبليغ والفطانة ويستحيل عليهم أضدادها ويجوز لهم العوارض البشرية التي لا تخل بعظمة مكانتهم عند الله وعند الخلق الذين بعثوا إليهم كالأمراض الخفيفة الغير المنفرة. ومن جملة الأمانة أداء الواجبات وترك المحرمات فيستحيل عليهم ارتكاب المحظورات والمحرمات وكذلك المكروهات إلا على سبيل بيان الجواز أي عدم التحريم, والنصوص الواردة التي ظاهرها أن بعض الأنبياء قد ارتكب بعض المحرمات فمؤولة بأن ذلك قبل النبوة على القول بأن العصمة لا تجب إلا بعد النبوة أو وقع بعد النبوة مع النسيان. وفي نظري أنه وقع قبل النبوة ومع النسيان الذي ترفع معه المؤاخذة عن غير الأنبياء. وذلك من آدم وحواء اغترار بمقاسمة إبليس إياهما بالله أنه لهما لمن الناصحين. وقال تعالى:  فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى .(سورة طه: 20).  وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين .(سورة طه: 115), وقال تعالى:  فنسي ولم نجد له عزما  (سورة طه: 122), وهذه الآية محكمة أي ظاهرة المعنى والدلالة فنرد إليها آية :  وعصى آدم ربه فغوى . (سورة الأعراف:21), أي ترك أمر ربه بعدم الأكل من الشجرة ونسي نهيه فضل عن سبيل العزم وقوة الصبر والثبات على الأوامر الإلهية الربانية. والله أعلم.
ثم قال تعالى بعد ذلك:  ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى . (سورة طه: 121) أي هداه إلى المداومة على التوبة.
ويوم القيامة الأكبر الآخر من أيام الدنيا وأول مراحل الآخرة هو يـوم الجـزاء
العادل من الله تعالى لعباده من الجن والبشر وهو يوم عظيم هائل مخيف يومئذ لا تقبل الشفاعة إلا ممن أذن له الرحمن وقال صوابا ويحصل في ذلك اليوم كما ورد في النصوص المتواترة الحشر والحساب والميزان والصراط والشفاعة الكبرى التي تولاها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وبعد ذلك دخول المؤمنين على اختلاف درجاتهم وبعد الانتهاء من تعذيب عصاتهم الجنة دار الثواب والكافرين النار دار العقاب وكلتاهما خالدة باقية بما فيها من النعيم والعذاب الذين تجاوزا حدود ما يتصوره العقل البشري ويدركه الحس الإنساني في الدنيا. وأجل نعيم الجنة هو النظر إلى وجه الله الكريم والتمتع برؤيته بكرة وعشيا.
وقضاؤه تعالى وقدره كل منهما راجع إلى علمه تعالى القديم وإلى إرادته. وقدرته الكاملتين فلا يشذ عنه شيء في الكون ولا يخرج عن قبضته أمر كائن في العالم فكل أمر واقع من هذه الكائنات إنما هو بقضاء الله تعالى وقدره وكل ما قضاه وقدره في الأزل لا بد من وقوعه وحصوله لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه جل وعلا, فيجب علينا الرضا والتسليم الكامل لحكمه تعالى القضائي كما يجب علينا ذلك لحكمه تعالى الشرعي, وقد أمر الله تعالى في كتبه عباده بالتوبة عما جنت أيديهم على أنفسهم, والإقناع عن المعاصي والمحرمات, والندم البالغ على حصولها وفعلها واكتسابها وتقديمها على أنواع الطاعة والعبادات, وتدارك ما فات ومضى من المخالفات بالإكثار من الأعمال الصالحات.
هذا, ولأهل السنة أصول أخرى في العقائد متفق عليها فيما بينهم لا نطيل هذا البحث المختصر بذكرها مفصلة. (منها): اعتقاد أن الصحابة كلهم عدول كرام لا يجوز سبهم ولا الطعن فيهم وأن قتالهم فيما بينهم لا لغرض دنيوي رئاسي محض بل معهم تأويلات جميلة ومحامل دينية أخروية وإن كانت الأصوبية والأحقية في يد الطائفة المبغي عليها المخدوعة بالصلح والتحاكم إلى القرآن وعدالة الرحمن.
(ومنها): أن أهل البيت النبوي أفضل أهل البيوت في الدنيا والآخرة وليسوا بمعصومين وليس لنا نص في حبس الخلافة عليهم وأن احتجاج الروافض بقول النبي صلى الله عليه وسلم لسيدنا على : أنت مني بمنزلة هرون من موسى(8) ليس في محله وليس هذا محل بسطه. (ومنها): أن نصب الإمام الذي يجري أحكام الشريعة المحمدية في دار الأمة المؤمنة واجب فالسعي إلى ذلك أيضا واجب وطرق الوصول إليه وتنفيذه موكولة إلى رأي ووفاق أهل الحل والعقد من العلماء الأفاضل ووجهاء الناس الغيورين على دين الله الحنيف. (ومنها): عذاب القبر ونعيمه وسؤال منكر ونكير فيه ووصول ثواب الأعمال إلى الموتى بالإهداء إليهم وجواز التوسل بالأنبياء والصالحين من غير تخيل أن الله تعالى محتاج إلى وساطتهم لأنهم في قبورهم أرواح طاهرة مستبشرة تستغفر الله لأهلها وتدعو لهم في حدود طاقتها البرزخية. (ومنها): أن بيانات النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور الدين والآخرة كلها بل عن أمور الدنيا أيضا بأسانيد صحيحة مقبولة عند المحدثين حق وصدق. قال صاحب العقيدة الغراء:
وكل ما جاء به الرسول * فحقه التسليم والقبول
(ومنها): الحظر والمنع من كل بدعة الصقت بهذا الدين الحنيف من أمور العقيدة أو العبادة أو المعاملة التي لا مستند ولا دليل عليها من الشرع الحكيم سواء كانت في الذوات أم في الصفات مع العلم بأن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما كان متعلقا بالأبضاع فالأصل فيها التحريم.
(ومنها): وجوب احترام العلماء عموما والمجتهدين منهم خصوصا وتتبع أقوالهم والإقتداء بمآثرهم وخطواتهم المباركة كمذاهبهم الأربعة وكتبهم السلفية وآرائهم النيرة وأورادهم وطرائقهم الحميدة واستحساناتهم الاجتماع على الذكر وصلاة التراويح مع تجويز فعلها فرادى وضبط ركعاتها بعشرين مع إباحة الزيادة عليها والنقص عنها بشرط نية الإقتداء بالنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم وامتثال أوامره المطلقة بالإكثار من الطاعات وقيام الليالي خصوصا قوله صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (9).وكل هذه الاجتهادات ليست من البدع المحرمة بل أخذ بالمصالح المحققة التي بنيت عليها ولأجلها الشريعة الإسلامية الغراء فهي صور رائعة ومظاهر لامعة للإحاطة الواسعة بمقاصد الشريعة البديعة.
وغير ذلك من العقائد الصحيحة المطلوبة أدلتها من كتب العلماء الأجلاء المطولة المبسوطة التي يجب علينا المحافظة على دراستها والاجتماع في قراءتها كعمل راتب يومي أو أسبوعي في المدارس والمعاهد والمساجد والمصليات وسائر مجالس الخير والذكر لله عز وجل وعقد المباحثات العلمية مستندة إليها والعمل بروحها ومقاصدها مع المسايرة للزمان والمكان في أمر الكيفيات واستعمال الوسائل الحديثية الجائزة ورد أحوال الزمان وأهله إلى جوهر أحكام القرآن والسنة وتوجيهات علماء الإسلام.
وفي نهاية المطاف لتبيين هذه الحقائق الحقة والأصول الأصيلة من ثوابت الأركان والقواعد الأساسية لأهل السنة والجماعة أقدم الوصية إلى طلابي وأصحابي وأحبابي بأن تكون همتهم الكبرى ونيتهم العظمى في دخولهم غمار هذه الحياة الفانية وفي سيرهم على دروبها الظلماء المغبرة لضيف أنفاس هذه الكرة الأرضية وسكانها وصغر دوائرها في هذه العصور التكنولوجية بوسائل النقل والاتصال وأجهزة الإعلام المملوءة بالبرامج المنحطة والمناظر السافلة الهادمة لكيان الأخلاق الإسلامية المخربة للعقول الإيمانية هي أي تلك الهمة والنية ترسيخ وتركيز مثل هذه الأصول الإيمانية في قلوب الأجيال والشعوب الظامئة المجدبة وجعل تعاليمها وتوجيهاتها مهيمنة مسيطرة على المفاهيم والتقليد المستوردة من الكفار الغربيين والشرقيين مقروءة مدروسة منفذة في بيوتهم وطلابهم وأصحابهم مع السعي والاحتيال في نشر معاني الحب والإخاء بين المسلمين لأجل توحيد الخطي في السير على منهاج الله تعالى وصراطه المستقيم.
وكل هذه الأعمال الصالحة والعلوم النافعة والأهداف المستحسنة داخلة تحت موضوع العبادة التي خلق الجن والإنس لأجلها, قال تعالى:  وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . (سورة الذاريات: 56), أي ليعرفوني ويؤمنوا بذاتي وصفاتي وأسمائي الحسنى ويتعلموا شريعتي فيعملوا بها ويطبقوها في أرضي. (والإحسان) الذي هو ثمرة الإيمان والإسلام وغايتهما العليا (أن تعبد الله كأنك تراه) أي في شهود قرب الله منك قربا يمحق عنك العجب ورؤية النفس والعمل بأن لم تر في الكون إلا نعم الله تعالى عليك بالطاعات ولزوم الخدمة والموافقات (فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أي فإن لم تدرك مقام المشاهدة فلا تعجز نفسك عن مقام المراقبة وهو ذكر أن الله غير غافل عما تعمل فتجتهد في التوبة والمجاهدة للنفس الأمارة بالسوء وجعلها طيبة مطمئنة.
هذا نهاية ما جرى به قلمي الفاتر وأوصي به عقلي القاصر نفع الله به كما نفع بعلوم مشايخي الكرام الذين أجلهم وأمنهم علي سيدنا الإمام الحبيب محمد علوي المالكي الحسني أيده الله بنصره وحارسته وأظلني دائما في ظل بركاته. آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه ببنانه وأقره بجنانه وطلب العذر في فلتات بيانه وهفوات لسانه
عبيد ربه الحنان محمد نجيح بن ميمون في ساران
يوم الإثنين أول ربيع الأول 1415 هـ.









إتمام المسرات ببيان الإمامة والجماعات

الحمد لله رب العالمين. وصلى لله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أما بعد: فقد وردت علي إلحاحات متكررة من بعض الإخوان أصلح الله لي ولهم الحال والشأن وطلبات كثيرة لإتمام البيان عن قضية الإمامة التي كتبناها مختصرة في الشذرات اللماعة , ومأخذي فيها هو كتاب جوهرة التوحيد قال صاحبه الإمام اللقاني رحمه الله:
وواجب نصب إمام عدل * بالشرع فاعلم لا بحكم العقل
يعني: أن نصب الإمام الذي ينفذ أحكام الله بين عباده المسلمين ويقيم حدوده فيهم ويسد ثغورهم ويجهز جيوشهم ويأخذ صدقاتهم ويقيم الجمعات والأعياد إلى آخر واجبات الأئمة الذين هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم واجب شرعا لا خلاف فيه بين المذاهب الإسلامية وأربابها اللهم إلا عند الخوارج أهل الفتنة والفوضي وأصحاب التناقضات والفساد. ووجوبه شرعي لا عقلي عند الأشاعرة. أما من حيث العقل فالله تعالى لا يجب عليه شيء يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد لكن رحمته تعالى بعباده التي هي الأساس الأسمى من شريعته الخالدة التامة العامة العادلة الحكيمة اقتضت وجوب وجود الخلافة الربانية بعبارة أعم أو الخلافة النبوية بعبارة أخص فإن الرسالة المحمدية هي شريعة الله الخالدة فلا انفكاك بينهما ولا انفصال قال الله تعالى:  ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها . وقال تعالى:  وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين . وقال تعالى:  إن الدين عند الله الإسلام . وقال تعالى:  قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين, لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين .وقال تعالى:  من يطع الرسول فقد أطاع الله .
وأدلة اتحاد الشريعة الإلهية والرسالة المحمدية كثيرة شهيرة متواترة. وأما أدلة وجوب نصب الإمامة الإسلامية فهي أيضا كثيرة. قال تعالى:  يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "(اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كان رأسه زبينة)". وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : "(أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة. فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله)". وهذه الأمور الواجبة التي وردت في الحديث بلا شك يتوقف وجودها على قيام الخلافة النبوية بعده صلى الله عليه وسلم المعبر هنها بالإمامة العظمى وهي بلا شك أيضا حكومة إسلامية مؤسسة على الشريعة المطهرة, وقال صلى الله عليه وسلم في حديث الفتن الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: "(تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)". وقال صلى الله عليه وسلم في جواب قول السائل عن أئمة الجور: أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك؟, قال: لا, ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عله وال فرآه يأتي شيئا معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله. وقال صلى الله عليه وسلم: على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.
فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر, ما لم يأمروا بمعصية, فتأمل قوله تعالى:  أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم .(النساء:59). كيف قال:  وأطيعوا الرسول ؟, ولم يقل: وأطيعوا أولي الأمر منكم, لأن أولي الأمر لا يفردون بالطاعة, بل يطاعون فيما هو طاعة الله والرسول, وأعاد الفعل مع الرسول, لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله , فإن الرسول لا يأمر بغير طاعة الله, بل هو معصوم في ذلك, وأما ولي الأمر فقد بغير طاعة الله, فلا يطاع إلا فيما هو طاعة الله ورسوله.
وأما لزم طاعتهم وإن جاروا, فلأنه يترتب على الخروج عن طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم, بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات مضاعفة الأجور, فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا, والجزاء من جنس العمل, فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل. قال تعالى:  وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير .(الشورى: 30), وقال تعالى:  أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم .(آل عمرن : 165), وقال تعالى:  ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك .(النساء:79), وقال تعالى:  وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون .(الأنعام : 129), فإذا أراد الرعية أن يتخلصوا من ظلم الأمير الظالم, فليتركوا الظلم.
وعن مالك بن دينار: أنه جاء في بعض كتب الله: أن الله مالك الملوك, قلوب الملوك بيدي, فمن أطاعني جعلته عليه رحمة ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة, فلا تشغلوا أنفسكم بسبب الملوك لكن توبوا أعطفهم عليكم.
قال الإمام عز الدين بن عبد السلام سلطان العلماء في زمانه في كتابه قواعد الأحكام: جـ 1, صـ 73-74: (قاعدة في تعذر العدالة في الولايات): إذا تعذرت العدالة في الولاية العامة والخاصة بحيث لا يوجد عدل ولينا أقلهم فسوقا, وله أمثلة:
(أحدها): إذا تعذر في الأئمة فيقدم أقلهم فسوقا عند الإمكان, فإذا كان الأقل فسوقا يفرط في عشر المصالح العامة مثلا وغيره يفرط في خمسها لم تجز تولية من يفرط في الخمس فما زاد عليه, ويجوز تولية من يفرط في العشر, وإنما جوزنا ذلك لأن حفظ تسعة الأعشار بتضييع العشر أصلح للإيتام ولأهل الإسلام من تضييع الجميع ومن تضييع الخمس أيضا, فيكون هذا من باب دفع أشد المفسدتين بأخفهما, ولو تولى الأموال العامة محجور عليه بالتبذير نفذت تصرفاته العامة إذا وافقت الحق للضرورة ولا ينفذ تصرفه لنفسه. إذ لا موجب لانفاذه مع خصوص مصلحته ولو ابتلي الناس بتولية امرأة أو صبي مميز يرجع إلى رأي العقلاء فهل ينفذ تصرفهما العام فيما يوافق الحق كتجنيد الأجناد وتولية القضاة والولاة؟ ففي ذلك وقفة.
ولو استولى الكفار على إقليم عظيم فولوا القضاء لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة فالذي يظهر أنفاذ ذلك كله جلبا للمصالح العامة ودفعا للمفاسد الشاملة إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيل المصالح العامة وتحمل المفاسد الشاملة لفوات الكمال فيمن يتعاطي توليتها لمن هو أهل لها, وفي ذلك احتمال.
(المثال الثاني): الحكام إذا تفاوتوا في الفسوق قدمنا أقلهم فسوقا لأنا لو قدمنا غيره لفات من المصالح ما ليس لنا عنه مندوحة, ولا يجوز تفويت مصالح الإسلام إلا عند تعذر القيام بها, ولو لم يجز هذا وأمثاله لضاعت أموال الأيتام كلها, وأموال المصالح بأسرها, وقد قال الله تعالى:  فاتقوا الله ما استطعتم . ولو فاتت العدالة في شهود الحكام ففي هذا وقفة من جهة أن مصلحة المدعي معارضة بمفسدة المدعى عليه, والمختار أنه لا يقبل لأن الأصل عدم الحقوق المتعلقة بالذمم والأبدان والظاهر مما في الأيدي لأربابها. إهـ.
وقال رحمه الله في كتابه المذكور جـ 1, صـ 70-71:
(فصل: في تصرف الآحاد في الأموال العامة عند جور الأئمة)
لا يتصرف في أموال المصالح العامة إلا الأئمة ونوابهم. فإذا تعذر قيامهم بذلك وأمكن القيام بها ممن يصلح لذلك من الآحاد بأن وجد شيئا من مال المصالح فليصرف إلى مستحقيه على الوجه الذي يجب على الإمام العادل أن يصرفه فيه بأن يقدم الأهم فالأهم والأصلح فالأصلح, فيصرف كل مال خاص في جهاته أهمها فأهمها, ويصرف ما وجده من أموال المصالح العامة في مصارفها أصلحها فأصلحها, لأنا لو منعنا ذلك لفاتت مصالح صرف تلك الأموال إلى مستحقيها ولإثم أئمة الجور بذلك وضمنوه. فكان تحصيل هذه المصالح ودرء هذه المفاسد أولى من تعطيلها.
وإن وجد أموالا مغصوبة فإن عرف مالكيها فليردها عليهم, وإن لم يعرفهم فإن تعذرت معرفتهم بحيث يئس من معرفتهم صرفها في المصالح العامة أولاها فأولاها. وإنما قلنا ذلك لأن الله قال :  وتعاونوا على البر والتقوى . وهذا بر وتقوى. وقال صلى الله عليه وسلم: "(والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)". وقال صلى الله عليه وسلم: "(كل معروف صدقة)". فإذا جوز رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف مع كون المصلحة خاصة, فلأن يجوز ذلك في المصالح العامة أولى. ولا سيما عند غلبة الظلمة للحقوق. ولا شك أن القيام بهذه المصالح أتم من ترك هذه الأموال بأيدي الظلمة يأكلون بغير حقها ويصرفونها إلى غير مستحقها. ويحتمل أن يجب ذلك على من ظفر به كمن وجد اللقطة في مضيعة. إهـ.
قلت: ولعل هذا النص يدل على جواز إقامة الجمعية الإسلامية لإقامة مجتمع إسلامي صحيح سليم عقيدة وعلما وعملا مكتف بذاته اقتصادا وسياسة.والله أعلم بالصواب.
وقال أيضا: (جـ 1 صـ 71-72):
( فصل فيما يجوز أخذه من مال بيت المال )
إن قال قائل: إذا دفع الظلمة مما بأيديهم من الأموال إلى إنسان شيئا فهل يجوز له أخذه منهم أم لا؟, قيل له: إن علم المبذول له أن ما يدفع له مغصوب فله حالان:
(الحالة الأولى): أن يكون ممن يقتدي به ولو أخذ لفسد ظن الناس فيه بحيث لا يقتدون به ولا يقبلون فتياه فلا يجوز له أخذه لما في أخذه من فساد اعتقاد الناس في صدقه ودينه, لا يقبلون له فتيا فيكون قد ضيع على الناس مصالح الفتيا, ولا شك أن حفظ تلك المصالح العامة الدائمة أولى من أخذ المغصوب ليرده على صاحبه, وكذلك الشهود والحكام ما لم يصرحوا بأنهم أخذوه للرد على مالكه.
(الحالة الثانية): أن لا يكون المبذول له كذلك, فإن أخذه لنفسه حرم عليه, وإن أخذه ليرده إلى مالكه جاز ذلك, وإن جهل مالكه بحث عنه إلى أن يعرفه, فإن تعذرت معرفته صرفه في المصالح العامة أهمها فأهمها, وأصلحها فأصلحها, فإن لم يعرف تلك المصالح دفعه إلى من يعرفها فإن لم يجد من يعرفها تربص بها إلى أن يجده فيتعرفها منه أو يدفعها إليه ليصرفها في مصالحها إن كان عدلا. وإن كان المال الذي يبذلونه مأخوذا بحق, فإن كان المال لمصالح خاصة كالزكاة لأربابها, والخمس لأربابها, والفيء للأجناد على قول, فإن كان المبذول له من أهل ذلك المال الخاص فإن أعطي قدر حقه فليأخذه, وإن أعطي زائدا على حقه فليأخذ قدر حقه ويكون حكم الزائد على حقه على ما ذكرناه في أخذ المال المغصوب. وإن كان ذلك من الأموال العامة فليأخذه إن لم تفت بأخذه مصلحة الفتيا, وليصرفه في المصارف العامة أصلحها فأصلحها. وإن لم يكن من أهل ذلك فعل ما ذكرنا في المال المغصوب,وإن بذل له المال من جهة مجهولة فإن يئس من معرفة مستحقيه فقد صار باليأس للمصالح العامة فليأخذه ويصرفها فيها, وإن توقع معرفة مستحقيه فليأخذه بنية البحث عن مستحقيه. فإن تعذرت معرفتهم بعد البحث التام صار كمال المصالح العامة. انتهى كلامه بحروفه.
ولا شك أن المصلحة العامة الشاملة لعموم المسلمين مقدمة على المصلحة الخاصة, وأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, وأن المقصود الأسمى والمهمة الأساسية لجميع المسلمين عموما وأهل السنة خصوصا هو المحاولة والسعي المنظم بقدر ما في الإمكان والطاقة لإقامة إمامة إسلامية ومجتمع مسلم عامل بشريعة الله متحاكم إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا الهدف الأعلى هو معنى حديث: "(من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله)" وهذا الهدف في رأيي ونظري لا يتنافي البتة مع مبدأ فانجاسيلا المؤسس على الديموقراطية لأن ما ذكر هو العمل بالأساس الأول من أسس فانجاسيلا الخمسة ما دام لا يوجد هناك إكراه وإجبار ولا حمل سلاح ولا سفك دماء بل تعرض القضية عن مشورة في جلسات ديوان الشورى والمجلس النيابي .
وقيام الشريعة المحمدية في هذه البلاد ليس من لوازمه قيام القتال الحسي أو السلاحي خصوصا في هذه الأيام التي كرست الحكومة طاقتها وجهودها وبذلت إمكانياتها في تكثير المساجد والمدارس المتجهة إلى تكو ين وتكثير أشخاص إندونيسيين من أهل البر والتقوى والأمانة والصيانة ودليل ما ذكر قوله تعالى:  ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز .(الحج: 40). فمناط الجهاد هو منع هدم مباني العبادات التي يذكر فيها اسم الله كثيرا وهي بحمد الله تعالى في بلادنا محترمة مكرمة.
وإنه ليؤسفنا جدا ظهور المشروع الجديد من الحكومة من عطلة يومين في الأسبوع هما السبت والأحد في المدارس الرسمية والمكاتب الحكومية وهذا يؤدي بلا شك إلى إماتة المدارس والمجالس الدينية المسائية الشعبية التي هي شعار اهتمام المسلمين بأمور دينهم والتي تعتبر عملا هاما بالمبدأ الأول من مبادئ فانجاسيلا ويؤدي أيضا إلى نهب أوقات الاستعداد للصلوات والجمعات أو بل إلى إعدامها كما أنه أنهاك للقوى الجسمية والروحية والعقلية خصوصا بالنسبة للطلاب شباب اليوم رجال الغد فنرجو من الحكومة الحكيمة إبطال هذا المشروع خصوصا في المدارس والاحترام والتأييد لمكانة المدراس والمعاهد الدينية التي طريقتها هي أول طريقة تعليمية تربوية ظهرت على ظهر هذه الجزائر الإندونيسة بواسطة الدعاة المخلصين الملقبين بالأولياء التسعة (Wali Songo) .
ولا ننسى أبدا بل نتذكر ونتشكر دائما مواقف رجال الحكومة الحاضرة العظيمة الجبارة من أبادة الحركة الشيوعية وكبراءها وإنهاء علمية القمار المحرم المتقنع باسم المبرات الاجتماعية وبناء المساجد المسماة بمساجد فانجاسيلا تقبل الله منا ومنهم الأعمال الصالحات وجنبنا وإياهم الكفر والضلالات الموجبة للحسرات والندامات وانتزاع البركات والخيرات آمين. قال تعالى:  ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون .(الأعراف: 96). وقال تعالى:  وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون . (النحل: 112). وقال تعالى:  وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون . (النور: 31). فنيط الفلاح الشامل الكامل بالتوبة والتقوى المنبعثة من جميع المؤمنين بامتثالهم أوامر الله كلها حسب الاستطاعة البشرية وباجتنابهم معاصي الله ونواهيه, وهذا يقتضي بلا شك وجود إمامة مطاعة بين رعاياها مطيعة لأوامر ربها منفذة لأحكامه والله الموفق المعين.
هذا, وأما قرار شيوخنا وشيوخ مشايخنا في شأن الحكومة الإندونيسة الفانجاسيلاوية بأن قادتها ورؤساءها هم أولياء الأمور الضروريون بالشوكة القوة والغلبة, فمأخذهم في ذلك هو ما في كتب المتأخرين كحاشية البيجوري وبغية المسترشدين. وكلمة الضروري المذكورة هي نعم الكلمة وهي قيد لا بد منها لمن يفهم ويعلم شروط الإمامة الحقة الإسلامية التي أولها وأولاها تقوى الله تعالى والعدالة وهي الإقتداء والتأسي بسيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسير الخلفاء الراشدين من بعده الذين طبقوا تعاليم الدين الحنيف المنزلة من عند الله المبينة على لسان رسوله تطبيقا كاملا بذلت لأجله النفوس والأرواح والنفائس والأشباح ليقينهم بأنه السبب الوحيد لنيل خيرات الدنيا والآخرة ومصالح الخلق في الدارين, وكلمة المصالح تعني أنها غير مقصورة على بعض الأفراد دون الآخرين ولا مقصورة على مصالح الثروة والغنى وسائر المصالح البشرية الشخصية الدنيوية النسبية المؤقتة القليلة.قال تعالى:  وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا . (الإسراء: 21).
ومما ينبغي التنبه والعلم به للحذر وأخذ الحيطة أن حولنا وفي أوساطنا فرقا وجماعات مخالفين لأهل السنة والجماعة وهم الشيعة الإثنا عشرية التي تقول بجواز نكاح المتعة وبوجوب كون الإمامة من أهل البيت النبوي, وقد قلنا في ردهم لا دليل لكم في هذا كما في الشذرات, بل إننا لا نبطل إمامة غير القرشي كما تقدم في الحديث: "(وإن استعمل عليكم عبد حبشي)", وإن كان أهل السنة قد اتفقوا على اشتراط الانتساب إلى قريش عند حالة الاختيار استنادا إلى حديث الأئمة من قريش فإن المصلحة الإسلامية العامة مقدمة على المصلحة المذهبية الخاصة كما تقرر وكذلك جماعة دار الأرقم فإنهم بحسب ما بلغني من التقارير والأخبار عن أحوالهم ليسوا على منهاج أهل السنة وإن كانت مراجعهم الأساسية هي كتبنا المقروءة في المعاهد السنية, ولهم أعمال وحركات إيجابية في إحياء أعمال الشريعة كستر العورة وعدم الأكل إلا من الطعام الحلال باليقين والمواظبة على الذكر لكن عقائدهم الفاسدة تبطل مدعاهم من التمسك بالكتب السلفية مثل كون المهدي المنتظر هو شيوخهم الذي مات وهم يعتقدون عدم موته, وكذلك تعصبهم في قادتهم ورؤساءهم وفي جماعتهم وتشددهم في أحوال للباس والتزام القمص والعمائم(1), كل ذلك دليل على أنهم ليسوا من أهل السنة فليتوبوا إلى الله ولينتظموا مع إخوانهم وأصحابهم السنيين في دراسة الكتب وقراءة الأوراد وإقامة الجمع والجماعات. وما ذكر من ظواهر عقائدهم بخلاف أهل الطرق الصوفية المعتبرة فإنهم لا يدعي بعضهم إنه على الحق وإن غيره على ضلال مبين بدليل اتحاد هؤلاء جميعا في جمعية الطرق المعتبرة النهضية ولا تعصب بينهم إلا ما وقع بين عوامهم الجهال – ولا اعتبار بهم في كل زمان ومكان – وأما جماعة المحمدية فليسوا عندي من أهل البدعة بل من أهل السنة, إذا كانوا محترمين لأئمة المذاهب ولا يعيبون على أهل التقليد وإلا فهم أهل جهالات ووقاحات وتناقضات فإنهم أنفسهم قد وقعوا في التقليد لشيوخهم ومؤلفي الموافقات ونيل الأوطار وسبل السلام أشد وأكبر من تقليدنا لأئمتنا فإننا لا نقول بوجوب قراءة التهليلات وإقامة الحوليات للأموات ولا القنوت ولا زيارة القبور ولا غيرها من المسائل الصغرى بالنسبة لما هو أكبر منها, بل إنما نقول باستحسانها أو استحبابها وإن لنا أدلة في ذلك كما أن للمخالفين من الأئمة المجتهدين أيضا أدلة.ولا نقول بالتعصب للمذهب الشافعي بل نقرر في دستور جمعيتنا وجوب التقليد لأحد المذاهب الأربعة لأننا لسنا من أهل الاجتهاد وليس في الإسلام مذاهب محررة مخدومة مقررة إلا تلك المذاهب الأربعة فإيجاب التمذهب بأحدها غير معين هو الموافق لروح الشريعة مقاصدها فإننا وإن كان جل دراستنا في كتب مذهب الشافعي لكن بالاستقراء قد نحتاج أشد الحاجة إلى الجري في مسائل على المذاهب الثلاثة غير الشافعي مثل قضية لمس الطائف بالبيت الحرام أجنبية ورمي الجمار قبل الزوال في أيام التشريق وتعاطي العقود في غير المحقرات بلا إيجاب ولا قبول. وإذا كان المحمديون لا يريدون إلا مخالفة مذهبنا الشافعي فليأخذوا بقول غيره من المذاهب المعتبرة ولا يوقعوا الفتنة بين أوساط المسلمين بدعاوي التجديد والإصلاح فضلا عن الترجيح والاجتهاد, أقول: إذا كان مخالفو أهل السنة والجماعة خارج جمعيتنا فهين وسهل علينا معرفتهم والحذر منهم كيلا يفسدوا علينا أصولنا وعقائدنا مع وجوب السير والمشي معهم لتوحيد الخطوات الإسلامية وتقوية الصلات الإيمانية , والمشكلة الكبرى والطامة العظمى هي بلية الجهالة بأصول السنة والجماعة التي أصابت أكثر أبناءنا وشباب جمعيتنا فإنهم لا يحلون المعارف الدينية ولا يتلقون العلوم الإسلامية إلا عن غير علمائهم بالمدارس العمومية وعن خارج كتب أسلافهم بل يأخذون الحقائق العلمية والمسائل الإعتقادية عن الترجمات أو بل عن كلام المستشرقين والشيعيين والفلاسفة المنكرين للبعث الجسماني وغيره من العقائد الإسلامية فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فالواجب على رؤساء الجمعية نهضة العلماء وعلى الوفود في المؤتمر أن يصدروا قرارات جازمة حاسمة تجاه هذه المصيبة العامة الطامة لانقاذ أبنائها من ميوع وذوبان عقائدهم وأسسهم الأصيلة السلفية . والله يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


تم مراجعة التصحيح في ليلة الخميس
25 أكوستوس 2005
20 رجب 1426 هـ







Related Posts by Categories



Tidak ada komentar:

Posting Komentar