مقدمة

إنّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضللْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وبعد :

Alhamdulillah, berkat Taufiq serta Hidayah-Nya, akhirnya blog sederhana ini dapat terselesaikan juga sesuai dengan rencana. Sholawat salam semoga selalu tercurah kepada Nabi Muhammad SAW beserta keluarga dan sahabat-sahabatnya.

Bermodal dengan keinginan niat baik untuk ikut serta mendokumentasikan karya ilmiah perjuangan Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, maka sengaja saya suguhkan sebuah blog yang sangatlah sederhana dan amburadul ini, tapi Insya Allah semua ini tidak mengurangi isi, makna dan tujuhan saya.

Blog yang sekarang ini berada di depan anda, sengaja saya tampilkan sekilas khusus tentang beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, mengingat dari Ponpes Al Anwar Karangmangu Sarang sudah memiliki website tersendiri yang mengupas secara umum keberadaan keluarga besar pondok. Tiada lain tiada bukan semua ini sebagai rasa mahabbah kepada Sang Guru Syaikhina Muhammad Najih Maemoen.

Tidak lupa saya haturkan beribu terima kasih kepada guru saya Syaikhina Maemoen Zubair beserta keluarga, terkhusus kepada beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen yang selama ini telah membimbing dan mengasuh saya. Dan juga kepada Mas Fiqri Brebes, Pak Tarwan, Kak Nu'man, Kang Sholehan serta segenap rekan yang tidak bisa saya sebut namanya bersedia ikut memotifasi awal hingga akhir terselesainya blog ini.

Akhirnya harapan saya, semoga blog sederhana ini dapat bermanfa’at dan menjadi Amal yang di terima. Amin.

Minggu, 30 Mei 2010

تفقهوا في دين الله أولا ، ثم ادعوا إلى سبيله ثانيا


حمدا لمن قال في محكم كتابه:  وما كان الؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون  ، وصلاة وسلاما على محمد المصطفى القائل: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، وعلى آله وأصحابه وأتباع سنته إلى يوم الدين، الذين قال  في حقهم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون "(1). أما بعد:
فهذه النصوص الثلاثة المذكورة في المقدمة كافية شافية لمن أراد الاطلاع والتعرف على فضيلة تعلم العلم الشرعي والعمل به وتعليمه تتلى من بين النصوص الواردة في القرآن المبين وفي أحاديث سيد المرسلين  الصحيحة الصريحة باقية خالدة إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.
أكتب هذه الرسالة اللطيفة امتثالا لأمر من لا تسعني مخالفته ويعظم عليّ أن ترد مسألته أحد رؤساء نهضة العلماء المركزية حاليا، فقد طلب مني وعزم علي أن أكتب بحثا عن آية السيف التي هي قوله تعالى:  وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين .
احتج بها بعض الشباب العصريين ذوي الحماسة الملتهبة والغيرة والحمية في الدفاع عن الشريعة الإسلامية والانتصار لها بالوسائل الإرهابية والكيفيات الهجومية على كل من حاد عن الدائرة الإسلامية من غير مراعاة للظروف الزمانية والبيأت المكانية ومن غير استفتاء للعلماء الفقهاء كما هو أصل أهل السنة والجماعة فهم ينظرون إلى إخوانهم بل قادة المسلمين وعلمائهم بعين الازدراء والاستهزاء ورموهم بالجبن والتخاذل وعدم الاهتمام والمبالاة بأمور الدين ولم يعلم هؤلاء المساكين أن القتال في سبيل الله أو الجهاد ليس مجرد غارة شعوأ بدون تخطيط أو هجوم مشنون بدون تنظيم أو حرب إرهابية بلا شوكة قوية بل هو من فروع الإمامة أو الحكومة الإسلامية الحقة يُنفّذ ويفعل تحت راية أمير صحيح ينصبه للإمامة والخلافة أهل الحل والعقد من علماء المسلمين وفقهائهم وحكمائهم وزعمائهم وتكون الخلافة شاملة السيادة لجميع بقاع أرض الله في حالة السعة والاختيار على الأصالة وإلا ففي حالة الضرورة تختص بناحية كبيرة يكثر فيها عدد المسلمين وتقوى فيها شوكتهم وعصبيتهم هذا ما فهمناه مما طالعناه في الكتب السلفية التي لدينا وتحت أيدينا، فوجوب الجهاد في سبيل الله ماض(2) إلى يوم الدين بشرط أن تكون باستنفار وتجنيد إمام حق وخليفة رسمي أقامه أهل الحل والعقد. وهذا لشرط لا يخفى أنه مفقود في هذا العصر المشئوم بعد سقوط الخلافة العثمانية سنة 1340 هـ أطاحها مصطفى كمال أتاتورك من أصل يهودي خبيث. ونظير أمر الجهاد في التوقف على قيام حكومة إسلامية حقة إقامة الحدود الإسلامية كالقصاص ورجم المحصن من الزناة وجلد غيره منهم وأمثالها ولولا ما قلناه لأقام كل رئيس منظمة أو محلة أو هيئة هذه الحدود على رعيته ومن تحت ولايته وفي ذلك فساد كبير وفتنة وفوضي في الأرض لا يرضاه كل من له عقل سليم من العقلاء فضلا عن العلماء السنيين فقد قالوا: إمام غشوم خير من فتنة تدوم وأمان النفس والدار من مقاصد الشريعة الإسلامية ومن الكليات الخمس التي هي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال. ومع ما ذكرناه فنحن لا ننكر وجوب السعي في إقامة خلافة إسلامية حقة وليس ذلك السعي مقصورا على إعداد الوسائل الحربية السلاحية أو الحماسة والاهتمام الخالص في الساحات السياسية الحزبية بل يحصل أيضا.
وهذا أهم وأجدى بإلقاء بذور المحبة والوئام بين أهل الإيمان والإسلام والأخذ بأيديهم وقلوبهم إلى منابع الشريعة الإسلامية الصافية النقية وتطعيم نفوسهم بالأدوية الإيمانية والمناداة بأن لا سبيل لهم ولا لأهل الأرض في السعادة الحقة والإصلاح الحقيقي إلا بالرجوع إلى دين الله القويم واتباع سنة رسوله المصطفى محمد . فقد اتخذ بعض الحكومات الحاضرة أساس قوانينها الفكرة الشيوعية فانهارت وخريت وهلكت وبعضها يتحاكم إلى المذاهب المادية فقد ظهرت الآن أمارات الفشل والبوار والهلاك والدمار وتسمى كثير من الحكومات باسم الديموقراطية وهذا التسمي كذب وافتراء بل أن الديموقراطية مذهب سياسي إلحادي لأنه رجوع إلى رأي الشعب مع أنه ليس بحجة شرعية ويستحيل تنفيذه قطعا مثل مذهب الشيوعية لأنه لا يجوز لرئيس دولة أن يصدر أمرا إلا بوفاق جمهور شعبه وهذا بلا شك رابع المستحيلات ومن الترهات والتناقضات وإن كان للشعب مجلس النواب أو مجلس الشورى فكيف يتفقون مع اختلاف أهدافهم ومذاهبهم الفكرية ودياناتهم الاعتقادية فلا شك أن ذلك الاتفاق المفروض مصنوع قهري ظاهري لا حقيقي وأساس الديموقراطية خلط الأديان السماوية والأرضية وجعلها في مرتبة واحدة والحكم عليها وعلى أتباعها بالمساواة التي لا يرضاها الله تعالى. فقد قال تعالى:  إن الدين عند الله الإسلام ، وقال جل وعلا:  ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ، وقال:  أفنجعل المسلمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون .
وقد وردت أحاديث كثيرة دالة على أن من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل (3)فمن بدع هذا الزمان المنكرة أن يقل اهتمام المسلمين بالعلوم الشرعية التي جاء بها الرسول  وأن يصرفوا همهم إلى العلوم الدنيوية إلى جانب الحفاظ على الشعائر الإسلامية مثل بناء المساجد والمعاهد الحديثة من غير مبالاة في الأموال المصروفة لذلك أهي من حلال أو من حرام ومثل السفر إلى الحرمين وأداء النسكين من غير مراعاة للآداب والأحكام المنصوصة في كتب فقهائنا الأعلام وعلمائنا الكرام فترى جل همهم في الارتداء بلقب الحاج وتراهم يدفعون الرشا لأجل الحصول عليه ولسرعة الإياب إلى بلادهم حاملين هذا اللقب الكريم الذي هو مطمع نفوسهم ومطمح أنظارهم واغتنم طوائف أخرى هذا الطموح العظيم فنصبوا عراقيل وحواجز لتضييق سبيل الحج على المسلمين المساكين وأخذ الرشا والجبايات منهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله في رسالة العالم والمتعلم: اعلم أن العمل تبع للعلم كما أن الأعضاء تبع للبصر، والعلم مع العمل اليسير أنفع من الجهل مع العمل الكثير. ومثال ذلك الزاد القليل الذي لا بد منه في المفازة مع الهداية بها أنفع من الجهل مع الزاد الكثير ولذلك قال الله تعالى:  قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الألباب .
وأرجو أن لا يفهم معشر القراء مما ذكرناه أننا نعادي تعلم الفنون للادينية من العلوم والصناعات والاكتشافات العلمية الجديدة والخبرات الفنية والتكنولوجية وأمور التقنية فإننا نعلم أن تحصيلها من الفروض الكفائية ولكن الواقع مع الأسف الشديد أن المسلمين انجروا إليها واندفعوا في طلبها لدافع دنيوي محض وهو تحصيل المكاسب والمعائش والرواتب الشهرية في الوظائف المعروفة من غير تفريق بين أوجه الحل وبين الطرق المحرمة فالذي ننكره منهم هو هذا الاندفاع الشديد أكبر مما عليهم تجاه العلوم الدينية بل بلغ الأمر ببعضهم إلى حد رمي المشتغلين بالعلوم السلفية بأنهم رجعيون سفهاء متخلفون كلا بل أن هؤلاء هم السفهاء ولكن لا يعلمون.
ومن البدع المنكرة عدم أخذ الشباب بفتاوى العلماء الفقهاء وتسمية كتبهم بالمراجع الصفراء، ومعناها أنها قديمة بالية حتى تصير صفراء متمزقة الأوراق.فإن قيل: إن بعض مباحثها ومسائلها لا تمشي في عصرنا الحاضر، قلنا: هل الأحكام الإسلامية تابعة للعوائد الجارية أم هي متبوعة حاكمة فلا شك أن الأحكام الإسلامية إجماعية أم خلافية قائمة بذاتها لا تتوقف على العمل بها بل وإن كان تنفيذها غير جائز لأنه يؤدي إلى الفتنة أو لاختلال الشروط مثل ما تقدم من وجوب بذل النفوس والأرواح في سبيل إقامة أحكام الله في أرضه المسمى بالجهاد والقتال في سبيل الله فلا شك أنه واجب ثابت محكم من أصول ديننا الحنيف إلا أن العمل به متوقف على شروط لا تتوفر في هذا العصر، أهمها وأعظمها وجود الإمام الأعظم، وعدم توفرها إثم على القادرين على توفيرها وإيجادها فالله يلهم قلوبهم التوبة ويوقظ هممهم في إحياء معالم الدين وتنفيذ شرع الله الحكيم بجاه النبي الأمين محمد  آمين.
ولا يخفى أن دين الإسلام محتو على أحكام أصلية جوهرية قطعية مثل تحريم الربا والقمار. ووجوب الجهاد في سبيل الله ووجوب ستر العورة وتحريم نظرها وعلى أحكام فرعية مثل المسائل المستنبطة من أدلة ظنية كوجوب الوتر عند الأحناف وكون صلاة التراويح عشرين ركعة ومعرفة تلك الأحكام بقسميها هي الأساس في الإسلام والعمل بها هو الثمرة كما قيل: العلم كالشجر والعمل به كالثمر. ولا يخفى التغاير والتفاوت بين الأساس وبين الفروع إلا في قضية التوحيد والإيمان بألوهية الله سبحانه وتعالى فلا يصح فيها انفراد أحد الأمرين من المعرفة والعمل دون الآخر، فمن علم أنه لا إله إلا الله ولم يقرّ به بلسانه فليس بمسلم ولا يقبل أيضا إيمانه القلبي المجرد الخالي من مطاوعة لسانه ومن قال لا إله إلا الله بلسانه ولم يقرّ بها قلبه فهو مسلم ظاهرا كافر باطنا وهو المسمى بالمنافق المخلد في الدرك الأسفل من النار، وكذلك الارتباط بين الإيمان والصلاة على رأي بعض العلماء لما ورد في الأحاديث النبوية: "إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر جهارا"، وقد أطلق الله سبحانه وتعالى لفظ الإيمان وأراد به الصلاة، قال تعالى:  إن الله لا يضيع إيمانكم  أي صلاتكم. وقال:  ما كنت تدري ما الكتاب والإيمان . قال ابن خزيمة: الإيمان في هذا الموضع الصلاة. ولنرجع إلى أصل البحث وموضوع الرسالة فنقول وبالله التوفيق وهو حسبي ونعم الوكيل:
اعلم: أنه قد تقرر عندنا أن القتال في كتب علمائنا في سبيل الله تعالى المسمى بالجهاد فرض كفاية، قال في كفاية الأخيار: ثم الكفاية تحصل بشيئين: أحدهما؛ شحن الثغور بجماعة يكفون من بإزائهم من العدو فإن ضعفوا وجب على كل من وراءهم من المسلمين أن يمدوهم بمن يتقوون به على قتال عدوهم.والثاني؛ أن يدخل الإمام دار الكفار غازيا بنفسه أو يبعث جيشا ويؤمر عليهم من يصلح لذلك. فلو امتنع الكل من القيام بذلك حصل الإثم على من لا عذر له. اهـ. باختصار.
قلت: النوع الأول من طريقي الكفاية أيضا من وظائف الإمام الأعظم، كما قرروه في شروح جوهرة التوحيد عند قول الناظم رحمه الله تعالى:
وواجب نصب إمام عدل * بالشرع فاعلم لا بحكم العقل
وقال الإمام زكريا الأنصاري في تحريره في بيان المفروضات الكفائية: وجهاد الكفار ببلادهم بعد الهجرة وكان قبلها حراما ثم بعدها أذن لنا في قتالهم إن ابتدؤونا به ثم أبيح لنا ابتداؤهم في غير الأشهر الحرم ثم أمرنا به مطلقا بنحو قوله تعالى:  وقاتلوا المشركين كافة . ودليل كونه على الكفاية قوله تعالى:  لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى . ففاضل بين المجاهدين والقاعدين وكلا وعد الله الحسنى، والعاصي لا يوعد بها. اهـ.
وهذه العبارة الوحيدة بهذه الحروف من هذا الإمام الحجة عندنا متأخري الشافعية كافية لنا في الجزم بحكم الجهاد والقتال في سبيل الله تعالى وأنه فرض كفائي إذا توافرت شروطه ولا نحتاج إلى أدلة ونصوص أخرى لا لإهمالنا أقوال الآخرين بل لأن الله تعالى قد وسع لنا أمر التفقه في دينه. وأن الفقه يكتفى فيه بأحد مذهب من المذاهب الأربعة وليست المذاهب محصورة في أقوال أئمتها وإنما المذاهب مجموعة من نصوص الإمام وتنظيرات أصحابه المتقدمين والمتأخرين ممن لـه تأهل وغوص وتبحر في مسائل ذلك المذهب. قال تعالى:  فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، وقال تعالى:  ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ، وقال : "ليبلغ الشاهد منكم الغائب(4)، فرب مبلغ أوعى من سامع"، وقال : " العلماء ورثة الأنبياء"(5)، فقوله : فرب مبلغ أوعى من سامع شهادة قطعية منه  على أن بعد عصر الصحابة والذين هم في عصر الرواية من التابعين رجالا نابغين في الاجتهاد الفقهي متوسعين فيه اكتملت لديهم الوسائل العلمية وتوفرت عندهم أوقات ومدارس هي مجالس اجتهاداتهم ومناظراتهم مع أصحابهم يصدرون معهم إلى المجتمع مسائل استنباطية واسعة الآفاق مترامية الأبعاد ورئيس عيالهم هو الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه وعنهم أجمعين. فقد قال إمامنا الشافعي رحمه الله: الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه ويلزم من تلك الشهادة الصادقة النبوية الإذن لنا في أخذ أقوالهم والاحتكام إلى عباراتهم وآرائهم وليست كلها صحيحة قطعية بل قد يكون منها ما هو خطأ أو مجانب للصواب الحق ولكن ما دام الأمر غير متضح الحال وليس ثم دليل قاطع على مخالفة تلك الأقوال لنصوص الكتاب والسنة فنمضي حيث نؤمر ونسلك الطريق الواسعة الفيحاء والمحجة البيضاء من التقليد المقرون بالتفقه في الدين. والاجتهاد المطلق في دلالات الأحكام من نصوص الكتاب والسنة لا شك أنه مرتبة أرفع وأعلى من مرتبة العلم والفقه في الدين وتلك المرتبة لا أحد من الخلق يقفلها أو يغلقها ولكن علمائنا المتقدمين الورعين بعضهم قد نالها وحصلها لنفسه ولم يفت بمذهبه غيره وأكثرهم عجزوا أو عجّزوا أنفسهم عن الارتقاء إلى تلك المسالك الصعبة. وهذا حالهم في العصور الصافية الخالية عن الأجواء المظلمة والأهواء المتخاصمة والشهوات المختلفة فكيف بنا ونحن الآن في الدنيا مأسورون وبالصور الشيطانية مخنوقون وعن اكتساب العلوم والأعمال الصالحة متخاذلون متكاسلون فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأما دخول بعض الشباب في جمعيات محدثة مستوردة مثل جمعية التبليغ ودار الأرقام والشيعة الإيرانية وإخوان المسلمين ونحوها استدلالا بقوله : "بلغوا عني ولو آية"(6). فهذا غرور وتكبر على إخوانهم ومن مضى من أسلافهم وحكم عليهم بأنهم غير مبلغين ولا دعاة مخلصين فلو أنهم شغلوا وفرغوا أنفسهم وبذلوا أوقاتهم للتفقه في الدين على طريقة الأسلاف الصالحين لقالوا في أنفسهم: نحن أطفال مجانين بالنسبة لهؤلاء السلف، ونحن لا شيء بجانبهم ويجب أن نكون دائما تراب أقدامهم وتحت نعالهم.
لي سـادة من عـزهم * أقـدامهم فوق الجبـاه
إن لـم أكن منهم فلي * في حبهم عـز وجـاه
وهل يقتضي التحمس والاعتزام على العمل بالسنة النبوية والشريعة الإسلامية اعتناق مذاهب حديثة لا نعرف حقائقها أو احتضان أفكار وحركات جديدة مبتدعة لا ندري أهدافها وغاياتها أفلا نخاف أن تكون مصيدة ومهواة للعقائد المبتدعة التي هي أشنع وأفظع من البدع المتعلقة بالعبادات والأعمال فنحن كما تقرر في كتب سلفنا في زمان (7)العلم فيه خير من العمل فيجب علينا التسلح بسلاح العلم الشرعي واستعماله على ضوء إرشادات أهله ونصائح المتخصصين الخبراء فيه فإن لم نفعل ذلك بعذر أو بدون عذر فلا أقل من الاتباع لهم ولو بالجملة من صميم القلوب وعميق النفوس، ومع هذا لا ننكر وجود فضائح ونقائص ورذائل خلقية في أحوال المتعلمين والمعلمين للفقه الإسلامي السني إلا أنها لا تمس بجوهر العقيدة الحقة الأصلية فلا تقتضي ذلك مخالفتنا لهم في التفقه فضلا عن معاداتهم بل يجب عليهم جبر تلك العيوب والتخلي عن تلك الرذائل وعلينا سترها عن الأجانب مع تباذل النصائح بيننا وبينهم بالطريقة التي هي أحسن فنستغفر الله العظيم لنا ولهم من كل ذنب ونسأله لنا ولهم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية آمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.

بيان المفسرين في بعض آيات الجهاد
 قال الجصاص في تفسيره أحكام القرآن: زعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقه، أنه لا نسخ في شريعة نبينا محمد ، وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ فإنما المراد به نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين، كالسبت والصلاة إلى المشرق والمغرب. قال لأن نبينا عليه السلام آخر الأنبياء وشريعته باقية ثابتة إلى أن تقوم الساعة. وقد بعد القائل من التوفيق بإظهار هذه المقالة إذ لم يسبقه إليها أحد بل قد عقلت الأمة سلفُها وخلفها عن دين الله وشريعته نسخ كثير من شرائعه ونقل ذلك إلينا نقلا لا يرتابون به ولا يجيزون فيه التأويل وقد ارتكب هذا الرجل في الآي المنسوخة والناسخة وفي أحكامها أمورا خرج بها عن أقاويل الأمة مع تعسف المعاني واستكراهها وأكثر ظني فيه أنه إنما أتى به من قلة علمه بنقل الناقلين لذلك واستعمال رأيه من غير معرفة منه بما قد قال السلف فيه ونقلته الأمة.
أدلة الجمهور: واستدل الجمهور على وقوع النسخ بحجج كثيرة نوجزها فيما يلي:
الحجة الأولى: قوله تعالى:  ما ننسخ من آية أو ننسها نأتي بخير منها  فهذه الآية صريحة في وقوع النسخ.
الحجة الثانية:  وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر، قالوا: إن هذه الآية واضحة كل الوضوح في تبديل الآيات والأحكام، والتبديل يشتمل على رفع وإثبات، والمرفوع إما التلاوة وإما الحكم، وكيفما كان فإنه رفع ونسخ.
الحجة الثالثة: قوله:  سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها  ثم قال تعالى:  قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام  فقد كان المسلمون يتوجهون في صلاتهم إلى بيت المقدس، ثم نسخ ذلك وأمروا بالتوجه إلى المسجد الحرام.
الحجة الرابعة: أن الله تعالى أمر المتوفى عنها زوجها بالاعتداد حولا كاملا في قوله جل ذكره:  والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول  ثم نسخ ذلك بأربعة أشهر وعشر كما قال تعالى:  والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا.
الحجة الخامسة: أنه تعالى أمر بثبات الواحد العشرة في قوله تعالى:  إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى:  الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن مائة صابرة يغلبوا مائتين  فهذه الآيات وأمثالها في القرآن كثير تدل على وقوع النسخ فلا مجال للإنكار بحال من الأحوال، ولهذا أجمع العلماء على القول بالنسخ حتى روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال لرجل: أتعرف الناسخ من المنسوخ ؟، قال: لا ، قال: هلكتَ وأهلكت الناس.
قال العلامة القرطبي: معرفة هذا الباب أكيدة، وفائدته عظيمة لا تستغني عن معرفته العلماء. ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء، لما يترتب عليه في النوازل من الأحكام، ومعرفة الحلال من الحرام وقد أنكرت طوائف من المنتمين للإسلام المتأخرين جوازه، وهم محجوجون بإجماع السلف السابق على وقوعه في الشريعة.
ثم قال: لا خلاف بين العقلاء أن شرائع الأنبياء، قصد بها مصالح الخلق الدينية، والدنيوية، وإنما كان يلزم البداء لو لم يكن عالما بمآل الأمور، وأما العالم بذلك فإنما تتبدل خطاباته بحسب تبدل المصالح، كالطبيب المراعي أحوال العليل، فراعى ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته، لا إله إلا هو، فخطابه يتبدل، وعلمه وإرادته لا تتغير، فإن ذلك محال في جهة الله تعالى. ذكر ذلك كله الشيخ محمد علي الصابوني في (روائع البيان؛ جـ:1/ صـ:100-103).
  واقتلوهم حيث ثقفتموهم  أي حيث وجدتموهم وأدركتموهم في الحل والحرام وتحقيق القول فيه إن الله تعالى أمر بالجهاد في الآية الأولى بشرط إقدام الكفار على القتال، وفي هذه الآية أمرهم بالجهاد معهم سواء قاتلوا أو لم يقاتلوا واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام  وأخرجوهم من حيث أخرجوكم  أي وأخرجوهم من ديارهم كما أخرجوكم من دياركم  والفتنة أشد من القتل  يعني أن شركهم بالله أشد وأعظم من قتلكم إياهم في الحرم والإحرام، وإنما سمي الشرك بالله فتنة لأنه فساد في الأرض يؤدي إلى الظلم، وإنما جعل أعظم من القتل لأن الشرك بالله ذنب يستحق صاحبه الخلود في النار، وليس القتل كذلك، والكفر يخرج صاحبه من الأمة، وليس القتل كذلك فثبت أن الفتنة أشد من القتل.  ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه  اختلف العلماء في هذه الآية فذهب مجاهد في جماعة من العلماء إلى أنها محكمة، وأنه لا يحل أن يقاتل في المسجد الحرام إلا من قاتل فيه وهو قوله  فإن قاتلوكم فاقتلوهم  أي فقاتلوهم وثبت في الصحيح عن النبي  أنه قال: "إن مكة لا تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما إلى يوم القيامة"، فثبت بهذا تحريم القتال في الحرم إلا أن يقاتلوا فيقاتلوا، ويكون دفعا لهم.
وذهب قتادة إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله:اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فأمر بقتالهم في الحل والحرم. وقيل: أنها منسوخة بقوله:  وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة  كذلك جزاء الكافرين. فإن انتهوا  يعني عن القتال، وقيل: عن الشرك والكفر فإن الله غفور  يعني لما سلف  رحيم  يعني بعباده حيث لم يعاجلهم بالعقوبة  وقاتلوهم  أي وقاتلوا المشركين  حتى لا تكون فتنة  أي شرك والمعنى وقاتلوهم حتى يسلموا ولا يقبل من الوثني إلا الإسلام أو القتل بخلاف الكتابي.
والفرق بينهما أن أهل الكتاب معهم كتب منـزلة فيها شرائع وأحكام يرجعون إليها وإن كانوا قد حرفوا وبدلوا فأمهلهم الله تعالى بحرمة تلك الكتب من القتل وأمر بإصغارهم وأخذ الجزية منهم لينظروا في كتبهم ويتدبروها فيقفوا على الحق منها فيتبعوه كفعل مؤمني أهل الكتاب الذين عرفوا الحق فأسلموا، وأما عبدة الأصنام فلم يكن لهم كتاب يرجعون إليه، ويرشدهم إلى الحق، فكان إمهالهم زيادة في شركهم وكفرهم، فأبى الله عز وجل أن يرضى منهم إلا بالإسلام أو القتل  ويكون الدين لله  أي الطاعة والعبادة لله وحده فلا يعبد من دونه شيء  فإن انتهوا  يعني عن القتال، وقيل: عن الشرك والكفر  فلا عدوان  أي فلا سبيل  إلا على الظالمين  قاله ابن عباس. فعلى القول الأول تكون الآية منسوخة بآية السيف، وعلى القول الآخر، الآية محكمة، وقيل: معناه فلا تظلموا إلا الظالمين سمي جزاء الظالمين ظلما على سبيل المشاكلة وسمي الكافر ظالما لوضعه العبادة في غير موضعها. كذا في (تفسير الخازن؛ جـ:1/ صـ:123).
  كتب عليكم القتال  أي فرض عليكم الجهاد، واختلف العلماء في حكم الآية ، فقال عطاء: الجهاد تطوع والمراد من الآية أصحاب رسول الله  دون غيرهم، وإليه ذهب الثوري. وحكي عن الأوزاعي نحوه. وحجة هذا القول أن قوله كتب يقتضي الإيجاب ويكفي العمل به مرة واحدة. وحجة من أوجبه على أصحاب رسول الله  أن قوله عليكم يقتضي تخصيص هذا الخطاب بالموجودين في ذلك الوقت، وقيل: بل الآية على ظاهرها والجهاد فرض على كل مسلم، ويدل على ذلك ما روي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : " الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا"، أخرجه أبو داود بزيادة فيه.
(ف) عن ابن عباس قال: قال رسول الله  يوم الفتح: " لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا"، وقيل: إن الجهاد فرض على الكفاية إذا قام به البعض سقط الفرض على الباقين، وهذا القول هو المختار الذي عليه جمهور العلماء. قال الزهري: كتب الله القتال على الناس جاهدوا أو لم يجاهدوا فمن غزا فبها ونعمت ومن قعد فهو عدة إن استعين به أعان وإن استنفر نفر وإن استغني عنه قعد قال الله تعالى:  فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى  ولو كان القاعد تاركا فرضها لم يعده بالحسنى واختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على ثلاثة أقوال: أحدها؛ أنها محكمة ناسخة للعفو عن المشركين، القول الثاني؛ أنها منسوخة، لأن فيها وجوب الجهاد على الكافة ثم نسخ بقوله تعالى:  وما كان المؤمنون لينفروا كافة ، القول الثالث؛ أنها ناسخة من وجه، ومنسوخة من وجه، فالناسخ منها إيجاب الجهاد مع المشركين بعد المنع منه والمنسوخ إيجاب الجهاد على الكافة. اهـ.(تفسير الخازن؛ جـ:1/صـ:143).
وقوله سبحانه وتعالى:  وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة  يعني قاتلوا المشركين بأجمعكم مجتمعين على قتالهم كما أنهم يقاتلونكم على هذه الصفة والمعنى تعاونوا وتناصروا على قتالهم ولا تتخاذلوا ولا تتدابروا ولا تفشلوا ولا تجبنوا عن قتالهم وكونوا عباد الله مجتمعين متوافقين في مقاتلة أعدائكم من المشركين. واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم، فقال قوم:كان كبيرا حراما ثم نسخ بقوله:  وقاتلوا المشركين كافة  يعني في الأشهر الحرم وفي غيرهن وهذا قول قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوري قالوا لأن النبي  غزا هوازن بحنين ويقيفة بالطائف وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة. وقال آخرون: إنه غير منسوخ قال ابن جريج حلف بالله عطاء بن أبي رباح ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ولا في الأشهر الحرم وما نسخت إلا أن يقاتلوا فيها. اهـ. (تفسير الخازن؛ جـ:2/ صـ:224).
قوله سبحانه وتعالى:  يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار  أمروا بقتال الأقرب فالأقرب إليهم في الدار والنسب. قال ابن عباس مثل قريظة والنضير وخيبر ونحوها وقال ابن عمر هم الروم لأنهم كانوا مكان الشام والشام أقرب إلى المدينة من العراق وقال بعضهم هم الديلم وقال ابن زيد كان الذين يلونهم من الكفار العرب فقاتلوهم حتى فرغوا منهم فأمروا بقتال أهل الكتاب وجهادهم حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد، ونقل عن بعض العلماء أنه قال نزلت هذه الآية قبل الأمر بقتال المشركين كافة فلما نزلت  وقاتلوا المشركين كافة  صارت ناسخة لقوله سبحانه وتعالى:  قاتلوا الذين يلونكم من الكفار  وقال المحققون من العلماء: لا وجه للنسخ لأنه سبحانه وتعالى لما أمرهم بقتال المشركين كافة أرشدهم الطريق الأصوب الأصلح وهو أن يبدءوا بقتال الأقرب فالأقرب حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد،وبهذا الطريق يحصل الغرض من قتال المشركين كافة لأن قتالهم في دفعة واحدة لا يتصور ولهذا السبب قاتل رسول الله  أولا قومه ثم انتقل منهم إلى قتال سائر العرب ثم انتقل إلى قتال أهل الكتاب وهم قريظة والنضير وخيبر وفدك ثم انتقل إلى غزو الروم في الشام فكان فتح الشام في زمان الصحابة ثم إنهم انتقلوا إلى العراق ثم بعد ذلك إلى سائر الأمصار لأنه إذا قاتل الأقرب تقوى بما ينال منهم من الغنائم على الأبعد. اهـ. (تفسير الخازن؛ جـ:2/ صـ:280-281).
قال الإمام الواحدي في تفسير الوجيز المطبوع بهامش تفسير منير:  وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة  أي قاتلوهم كلهم ولا تحابوا بعضهم بترك القتل كما أنهم يستحلون قتال جميعكم  واعلموا أن الله مع المتقين  أي مع أوليائه الذين يخافونه. اهـ. (صـ:339).
قال الشيخ العلامة محمد نووي البنتني رحمه الله في كتابه تفسير منير في قوله تعالى:  وما كان المؤمنون لينفروا كافة  أي ما استقام لهم أن ينفروا جميعا لنحو غزو وطلب علم فإنه يخل بأمر المعاش. هذه الآية إما كلام لا تعلق له بالجهاد وإما من بقية أحكام الجهاد  فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون  فعلى الأول يقال وما كان المؤمنون لينفروا كافة إلى حضرة الرسول ليتفقهوا في الدين بل ذلك غير واجب وغير جائز وليس حال التفقه كحال الجهاد معه  الذي يجب أن يخرج فيه كل من لا عذر له فهلا نفر من كل فرقة من فرق الساكنين في البلاد طائفة إلى حضرة الرسول ليتفقهوا في الدين ويعودوا إلى أوطانهم فينذروا قومهم لكي يحذروا عقاب الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه وعلى هذا التقدير فيكون المراد وجوب الخروج إلى حضرة الرسول للتعلم لأنه يحدث كل وقت تكليف جديد. أما في زماننا فقد صارت الشريعة مستقرة فإذا أمكنه تحصيل العلم في الوطن لم يكن السفر واجبا وعلىالاحتمال الثاني يقال أن النبي  لما بالغ في الكشف عن عيون المنافقين في تخلفهم عن غزوة تبوك قال المسلمون والله لا نتخلف عن رسول الله  ولا عن سرية بعثها فلما قدم الرسول المدينة من تبوك وأرسل السرايا إلى الكفار نفر المسلمون جميعا إلى الغزو وتركوا النبي وحده في المدينة فنزلت هذه الآية. فالمعنى لا يجوز للمؤمنين أن ينفروا جميعا ويتركوا النبي بل يجب أن ينقسموا قسمين طائفة تنفر إلى الجهاد وقهر الكفار وطائفة تكون مع رسول الله لتعلم العلم والفقه في الدين لأن أحكام الشريعة كانت تتجدد شيئا بعد شيء والماكثون يحفظون ما تجدد فإذا قدم الغزوة علموا ما تجدد في غيبتهم وبهذا الطريق يتم أمر الدين والمعنى فهلا نفر من كل فرقة من المقيمين مع رسول الله طائفة إلى جهاد العدو ليتفقه المقيمون في الدين بسبب ملازمتهم خدمة الرسول وليخبروا قومهم الخارجين إلى الجهاد إذا رجع الخارجون من جهادهم إليهم بما حصلوا في أيام غيبتهم من العلوم لكي يحذروا معاصي الله تعالى عند ذلك التعلم.  يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار  أي لما أمرهم الله بقتال المشركين كافة أرشدهم إلى الطريق الأصلح وهو أن يبدءوا بقتال الأقرب فالأقرب حتى يصلوا إلى الأبعد فالأبعد وبهذا الطريق يحصل الفرض من قتال المشركين كافة فإن أمر الدعوة وقع على هذا الترتيب فإن رسول الله  قاتل أولا قومه ثم انتقل منهم إلى قتال سائر العرب ثم إلى قتال أهل الكتاب وهم قريظة والنضير وخيبر وفدك ثم انتقل إلى غزو الروم والشام فكان فتحه في زمن الصحابة ثم أنهم انقلبوا إلى العراق.  وليجدوا فيكم غلظه  أي شدة عظيمة وشجاعة  واعلموا أن الله مع المتقين  أي معينهم بالنصرة على أعدائهم. والمراد أن يكون الأقدام على الجهاد بسبب تقوى الله لا بسبب طلب المال والجاه. اهـ. (مراج لبيد؛ جـ:1/ صـ:390-391).



أقوال الفقهاء والمحدثين عن أحكام الجهاد
- عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : الجهاد واجب عليكم مع كل أمير برا كان أو فاجرا والصلاة واجبة عليكم خلف كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر والصلاة واجبة على كل مسلم برا كان أو فاجرا وإن عمل الكبائر. رواه أبو داود في سننه.
- قال العزيزي فالجهاد وصلاة الجماعة وصلاة الجنازة من فروض الكفايات. اهـ. كذا في (عون المعبود؛ جـ:7/صـ:207).
- وقال رسول الله : لا هجرة ولكن جهاد ونية وإن استنفرتم فانفروا. رواه البخاري في الصحيح عن عثمان بن أبي شيبة ورواه مسلم عن يحيى عن جرير. كذا في (دلائل النبوة؛ جـ:5/ صـ:108).
- (قوله: وإذا استنفرتم فانفروا) معناه إذا طلبكم الإمام للخروج إلى الجهاد فاخرجوا وهذا دليل على أن الجهاد ليس فرض عين بل فرض كفاية إذا فعله من تحصل بهم الكفاية سقط الحرج عن الباقين وإن تركوه كلهم أثموا كلهم. قاله الشيخ عبد المعطي.
- قال الشيخ الخطيب الشربيني: وكان الجهاد في عهده  بعد الهجرة فرض كفاية وأما بعده  فللكفار حالان: الحال الأول: أن يكونوا ببلادهم ففرض كفاية إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عن الباقين لأن هذا شأن فروض الكفاية. الثاني: من حليي الكفار أن يدخلوا بلدة لنا مثلا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم ويكون الجهاد حينئذ فرض عين. اهـ. (الإقناع؛ جـ:2/ صـ:251-252).
- قال الشيخ ابن حجر: والأصل فيه الآيات الكثيرة والآحاديث الصحيحة الشهيرة وأخذ منها ابن أبي عصرون أنه أفضل الأعمال بعد الإيمان واختاره الأذرعي وذكر أحاديث صحيحة مصرحة بذلك أولها الأكثرون بحملها على خصوص السائل أو المخاطب أو الزمن. كان الجهاد في عهد رسول الله  قبل الهجرة ممتنعا لأن الذي أمر به  أول الأمر هو التبليغ والإنذار والصبر على أذى الكفار ثم بعدها أذن الله تعالى للمسلمين في القتال بعد أن نهي عنه في نيف وسبعين آية إذا ابتدأهم الكفار به فقال:  وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم  وصح عن الزهري أول آية نزلت في الإذن فيه إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا أي إذن لهم في القتال بدليل يقاتلون ثم أياح الابتداء به في غير الأشهر الحرم بقوله:  فإذا انسلخ الأشهر الحرم  الآية، ثم في السنة الثامنة بعد الفتح أمر به على الإطلاق بقوله:  فانفروا خفافا وثقالا وقاتلوا المشركين كافة  وهذه هي آية السيف. وقيل: التي قبلها، وقيل: هما إذا تقرر ذلك فهو من حين الهجرة كان فرض كفاية لكن على التفصيل المذكور إجماعا بالنسبة لفرضيته ولأنه تعالى فاضل بين المجاهدين والقاعدين ووعد كلا حسنى بقوله:  لا يستوي القاعدون  الآية، والعاصي لا يوعد بها ولا يفاضل بين مأجور ومأزور، وقيل: فرض عين لقوله تعالى:  ان لا تنفروا يعذبكم عذابا أليما. والقاعدون في الآية كانوا حراسا وردوه بأن ذلك الوعيد لمن عينه  لتعين الإجابة حينئذ أو عند قلة المسلمين وبأنه لو تعين مطلقا لتعطل المعاش. وأما بعده فللكفار الحربيين حالان: أحدهما؛ يكونون أي كونهم ببلادهم مستقرين فيها غير قاصدين شيئا فالجهاد حينئذ فرض كفاية إجماعا كما نقله القاضي عبد الوهاب ويحصل إما بتشحين الثغور وهي محال الخول التي تلي بلادهم مكافئين لهم لو قصدوها مع أحكام الحصون والخناديق وتقليد ذلك للأمراء المؤتمنين المشهورين بالشجاعة والنصح للمسلمين وإما بأن يدخل الإمام أو نائبه بشرطه دراهم بالجيوش لقتالهم. الثاني؛ من حليي الكفار يدخلون بلدة لنا وينزلون على جزائر أو جبل في دار الإسلام ولو بعيدا عن البلد فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم ويكون الجهاد حينئذ فرض عين، وقيل: كفاية واعتمده البلقيني وقال: إن نص الشافعي يشهد له. اهـ. (التحفة؛ صـ:212 ومثله في المغني والنهاية وشرح المحلي).
- وقال في الوجيز؛ وهو واجب على الكفاية في كل سنة مرة واحدة في أهم الجهاد والإمام يرعى النصفة في المناوبة بين الناس. اهـ. (الوجيز؛ صـ:113).
- قال في المجموع عند شرح قوله: فصل والجهاد فرض والدليل عليه قوله عز وجل كتب عليكم القتال وهو كره لكم وقوله تعالى وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم وهو فرض على الكفاية إذا قام به من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين لقوله عز وجل:  لا يستوي القاعدون من أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى  ولو كان فرضا على الجميع لما فاضل بين من فعل وبين من ترك ولأنه وعد الجميع بالحسنى فدل على أنه ليس بفرض على الجميع.
- (قوله: الجهاد فرض) حكي عن أبي شبرمة والثوري؛ حكي عن أبي شبرمة والثوري أن الجهاد تطوع وليس بفرض وقالوا: كتب عليكم القتال ليس على الوجوب بل على الندب كقوله تعالى:  كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ، وقد روي عن ابن عمر نحو ذلك وإن كان مختلف في صحة الرواية عنه وروي عن عطاء وعمرو بن دينار عن ابن جريج قال: قلت لعطاء أواجب الغزو على الناس؟، فقال هو وعمرو بن دينار ما علمناه. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمدومالك وسائر فقهاء الأمصار أن الجهاد فرض إلى يوم القيامة إلا أنه فرض على الكفاية إذا قام به بعضهم كان البقون في سعة من تركه وذكر أن سفيان الثوري كان يقول ليس بفرض ولكن لا يسع الناس أن يجمعوا على تركه ويجزي فيه بعضهم على بعض وبهذا يكون مذهبه فرضا على الكفاية إن صح القول عنه. (قلت) والجهاد فرض عين على كل مسلم إذا انتهكت حرمة المسلمين في أي بلد فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان على الحاكم أن يدعو للجهاد وإن يستنفر المسلمين جميعا وكانت الطاعة له واجبة بل فريضة كالفرائض الخمس لقول الله تعالى: انفروا خفافا وثقالا ولقول معمر كان مكحول يستقبل القبلة ثم يحلف عشر أيمان أن الغزو واجب ثم يقول إن شئتم زدتكم. اهـ. (المجموع؛ جـ:19/ صـ:268-269).
- قال أبو بكر الجصاص في أحكام القرآن: الجهاد واجب مع الفساق كوجوبه مع العدول وسائر الآية الموجبة لفرض الجهاد لم يفرق بين فعله مع الفساق ومع العدول الصالحين وأيضا فإن الفساق إذا جاهدوا فهم مطيعون في ذلك وقال ابن حزم ومن أمره الأمير بالجهاد إلى دار الحرب ففرض عليه أن يطيعه في ذلك الأمن له عذر قاطع. اهـ. (المجموع؛ جـ:19/ صـ:279).
- قال الشيخ محمد أحمد العدوي عند شرح قول اللقاني؛ وواجب نصب إمام عدل...إلخ، المعنى أنه يجب وجوبا كفائيا على جماعة المسلمين أن ينصبوا عليهم إماما بتنفيذ أحكامهم وإقامة حدودهم وسد ثغورهم وتجهيز جيوشهم وأخذ صدقائهم وقهر المتغلبة والمتلصصة وقطاع الطريق. اهـ. (الشرح الجديد؛ صـ:157).
- قال الشيخ الباجوري: ومن الوجوه الدالة على وجوبه بالشرع أن الشارع أمر بإقامة الحدود وسد الثغور وتجهيز الجيش وذلك لا يتم إلا بإمام يرجعون إليه في أمورهم.اهـ. (تحفة المريد؛ صـ: 200).
- قال في التنبيه : ويلزمه أي الإمام النظر في مصالح الرعية من أمر الصلاة والأئمة وأمر الصوم والأهلة وأمر الحج والعمرة وأمر القضاء والحسبة وأمر الأجناد والأمرة ولا يولي ذلك إلا ثقة مأمونا عارفا بما يتولاه كافيا لما يتقلده من الأعمال ولا يدع السؤال عن أخبارهم والبحث عن أحكامهم وينظر في أموال الفيء والخراج والجزية ويصرف ذلك في الأهم فالأهم من المصالح من سد الثغور وأرزاق الأجناد وسد البثوق وحفر الأنهار وأرزاق القضاة والمؤذنين وغير ذلك من المصالح. اهـ. (التنبيه؛ صـ:152).
- قال في المهذب: ويجب على الإمام أن يشحن ما يلي الكفار من بلاد المسلمين بجيوش يكفون من يليهم ويستعمل عليهم أمراء ثقات من أهل الإسلام مدبرين لأنه إذا لم يفعل ذلك لم يؤمن إذا توجه في جهة الغزو أن يدخل العدو من جهة أخرى فيملك بلاد الإسلام وإن احتاج إلى بناء حصن أو حفر خندق. اهـ. (المهذب؛جـ:2/صـ:229).
- قال في التنبيه: ويكره أن يغزو أحد إلا بإذن الإمام. اهـ. (صـ:142).
- قال في المغني (يكره غزو بغير إذن الإمام أو نائبه) تأدبا معه ولأنه أعرف من غيره بمصالح الجهاد وإنما لم يحرم لأنه ليس فيه أكثر من التغرير بالنفوس وهو جائز في الجهاد وينبغي كما قال الأذرعي تخصيص ذلك بالمتطوعة أما المرتزقة فلا يجوز لهم ذلك لأنهم مرصدون لمهمات تعرض للإسلام يصرفهم فيها الإمام فهم بمنزلة الأجراء. اهـ. (المغني؛ جـ:4/220) ومثله في (النهاية؛ جـ:8/صـ:60 و شرح المحلي؛ جـ:4/ صـ:217 و فتح الوهاب بهامش حاشية الجمل؛ جـ:5/ صـ:192).



تمت كتابة هذه النسخة يوم الإثنين؛ 24 رجب 1426
29 أكوستوس 2005.
























































































Related Posts by Categories



Tidak ada komentar:

Posting Komentar