مقدمة

إنّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضللْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وبعد :

Alhamdulillah, berkat Taufiq serta Hidayah-Nya, akhirnya blog sederhana ini dapat terselesaikan juga sesuai dengan rencana. Sholawat salam semoga selalu tercurah kepada Nabi Muhammad SAW beserta keluarga dan sahabat-sahabatnya.

Bermodal dengan keinginan niat baik untuk ikut serta mendokumentasikan karya ilmiah perjuangan Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, maka sengaja saya suguhkan sebuah blog yang sangatlah sederhana dan amburadul ini, tapi Insya Allah semua ini tidak mengurangi isi, makna dan tujuhan saya.

Blog yang sekarang ini berada di depan anda, sengaja saya tampilkan sekilas khusus tentang beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, mengingat dari Ponpes Al Anwar Karangmangu Sarang sudah memiliki website tersendiri yang mengupas secara umum keberadaan keluarga besar pondok. Tiada lain tiada bukan semua ini sebagai rasa mahabbah kepada Sang Guru Syaikhina Muhammad Najih Maemoen.

Tidak lupa saya haturkan beribu terima kasih kepada guru saya Syaikhina Maemoen Zubair beserta keluarga, terkhusus kepada beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen yang selama ini telah membimbing dan mengasuh saya. Dan juga kepada Mas Fiqri Brebes, Pak Tarwan, Kak Nu'man, Kang Sholehan serta segenap rekan yang tidak bisa saya sebut namanya bersedia ikut memotifasi awal hingga akhir terselesainya blog ini.

Akhirnya harapan saya, semoga blog sederhana ini dapat bermanfa’at dan menjadi Amal yang di terima. Amin.

Minggu, 16 Mei 2010

لا سعادة حقيقة إلا باتباع الشريعة الإسلامية

لا سعادة حقيقة إلا باتباع الشريعة الإسلامية

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فقد منّ الله علينا معشر المسلمين ببعثة نبينا محمد  يعلمنا ما تحتاج إليه من أمور ديننا وما يهمنا من أمور دنيانا ولقد تركنا النبي  على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك حتى قال لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة فقال سلمان: أجل، كما في صحيح المسلم. وحفظه الله شريعته كما قال تعالى:  إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون .
الشبهات تتوار من أعداء الإسلام وممن أعمى الله بصائرهم من أذناب أعداء الإسلام فذاك يشكك في فريضة الجهاد في سبيل الله. وذاك يطعن في الدين ويقول أنه غير صالح للسياسة ولست بسبيل إيراد شبههم والقائمون بالدفاع عن الإسلام وبإبطال شبه الملحدين أقل من القليل، ورب متحمس للدين يقوم بالدفاع عنه في الصحافة وغيرها وهو فقير من العلم فيفسد أكثر مما يصلح وربما أنكر ما هو معلوم من الدين.
إن الإسلام غني عن دفاع أولئك الذين يهابون المستشرقون ويتنازلون لهم عما لم تتسع له عقولهم. ولما كان من النعرات إلا لحادية فصل الدين عن السياسة وغالب حكامنا معشر المسلمين جاهلون قام إخواننا من اتحاد الطلبة الكائنين بالمدرسة الغزالية الشافعية بعقد حلقة إسلامية هذه النصوص التي نودها مادتها حتى يعلم الجميع أن السياسة من دين الأنبياء عليهم السلام. روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة  عن النبي  أنه قال: « كانت بنوا إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلقه نبي وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء ويكثرون، قالوا: فما تأمرنا، قال: أوفوا بيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ».
كانت السياسة في الزمن الماضي حسن الرعاية بالعدل وتطلق أيضا على الرياسة، قال الشاعر:
سادة قادة لكل جميع  ساساة للرجال يوم القتال
أما الآن فأصبحت السياسة في نظر كثير من الناس الكذب والخداع وخلف الوعد حتى أنهم ربما أطلقوا على الكذاب المكار أنه سياسي من أجل هذا فقد أصبح كثير من أهل الخير والصلاح ينفرون عن أصحاب السياسة والرسول  يقول: « ثلاثة لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم » وذكر منهم « ملكا كذابا » رواه مسلم.
حقا إنه لا يصلحنا نحن وحكامنا إلا السياسة الشرعية. فالسياسة الشرعية تنهى عن الانقلابات على الحاكم المسلم. يقول الرسول : « من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يغرق جماعتكم فاقتلوه ». رواه مسلم عن عرفجة.
السياسة الشرعية توجب أن يكون للمسلمين حاكم واحد قرشي لحديث: « الأئمة من قريش ».
السياسة الشرعية تحرم على الحاكم أن يتصرف في مال الفرد سواء كان بضرائب أو جمارك وغيرهما مما أضعفت الشعرية أم بغير ذلك.
السياسة الشرعية توجب على الحاكم أن يتفقد أحوال رعيته فرب دعوة من مظلوم تكون سببا لزوال ملكه بل لهلاك شعب. والرسول  يقول لمعاذ: « واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب » متفق عليه.
يتفقد أحوال التجار والمزارعين أما العلماء فالواجب أن يكونوا جلساءه فإن المراء على ديني خليله كما في الحديث. وبسبب إعراض الراعي والرعية عن السياسة الشرعية أصبحت الرعايا متربصة بالحاكم والحاك متربص ببعض الرعايا الذين يخاف منهم بل أصبح حكامنا في سجن وأصبحت الرعايا في سجن. أما الحاكم فأصبح مذعورا من الإنقلابات وأما الرعايا فأصبحوا لا يأمنون مكرا لحكومات ولو رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسول الله  لامن حكامنا من الرعايا وأمنت الرعايا من الحكام، والرسول  يقول: « خير أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلوا عليهم ويصلون عليكم ، وشر أئمتكم الذين تبغضونهم وتلعنونهم » رواه مسلم.
هذه الاضطرابات سببها عدم التقيد بالسياسة الشرعية كما يقول الله سبحانه وتعالى  ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ( ).
إننا إذا أحصينا القتلى في سبيل الملك والرياسة من الزمن الأموي إلى زماننا هذا نجدهم يقاربون عشر الأمة وربما يقتل الأخ أخاه كما وقع لبعض خلفاء بني العباس. كل هذا من أجل الإعراض عن السياسة الشرعية.
وإننا ندعو حكامنا وفقنا الله وإياهم وننصح لهم والنصح لهم واجب في حديث: « الدين النصيحة » عن تميم الداري أن النبي  قال: « الدين النصحية، قلنا: لمن؟، قال: لله ولكتابه وللأئمة المسلمين وعامتهتم » رواه مسلم. ندعوهم إلى أن يكون لهم إمام قرشي ويبقى من كان صالحا منهم على بلده من أجل أن تجتمع كلمتهم ويستطيعوا أن يقفوا أمام أعداء الإسلام. فلقد أصبحت وسائل إعلامهم لسب بعضهم بعضا وأصبحت مدافعهم موجهة إلى بعضهم بعضا فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أمن أعداؤنا الذين نحن مأمورون بجهادهم وأصبح حكام المسلمين مسيرين غير مخيرين سغل المسلمون بالأحزاب الداخلية، فذاك إمام الضلالة دجال العصر الرافضي الحميني يشمت بحكام الدول المسلمة وهو واقع في أردى مما وقعوا فيه تارة يميل إلى أمريكا وأخرى إلى روسيا أراح الله المسلمين من شره. ولا يستغرب هذا منه فللرافضة مواقف مع اليهودي والنصارى ضد المسلمين كما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة وتلميذه الذهبي في المنتقى.
هذا وإننا لن نيأس فقد ظهرت بحمد الله صحوة إسلامية نرجو أن تقضى على هذه الحزبيات المخرفة. تقضى عليها ببث الوعي الإسلامي في حدود ما عليه أهل السنة والجماعة. وأما بالإنقلابات على الحكام المسلمين فلا فإن هذه لا تكون سببا للإصلاح بل تكون سببا لسفك الدماء وهتك الأعراض وقلقلة الأمن في المجتمع. والرسول  يقول: « لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض » متفق عليه من حديث أبي بكرة وابن عباس. ويقول: « المسلمون إذا التقيا سيفهما فالقاتل والمقتول في النار ، قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟، قال: إنه كان حريصا على قتل صاحبه » متفق عليه من حديث أبي بكرة.
وأخيرا فإني أنصح حكام المسلمين بنبذ هذه القوانين الوضعية المستوردة من قبل أعداء الإسلام فإنها جلبت للمسلمين الضيق والحرج والعداوة والبغضاء وفقهم لذلك الله.
وأسأل الله أن يوفقنا وإخواننا المسلمين للعمل بشريعته المطهرة والدفاع عن كرامتها وقداستها حتى ننتصر أو نهلك دونها آمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه نجيح ميمون السارنغي الرمبانغي
يوم الأحد 19 ذو الحجة 1417 هـ


بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام علي بن محمد حبيب البصري الماوردي في الأحكام السلطانية؛ صـ:5-6: الإمام موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وعقدها لمن يقوم بها في الأمة واجب بالإجماع وإن شذ عنهم الأصم. واختلف في وجوبها هل وجبت بالعقل أو بالشرع؟ فقالت طائفة: وجبت بالعقل لما في طباع العقلاء من التسليم لزغيم يمنعهم من التظالم ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، ولولا الولاة لكانوا فوضي مهملين وهجما مضاعنين، وقد قال الأفوة الأودي وهو شاعر جاهلي، من البسيط:
لا يصلح الناس فوضي لا سراة لهم  ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وقالت طائفة أخرى: بل وجبت بالشرع دون العقل، لأن الإمام يقوم بأمور شرعية قد كان مجوزا في العقل أن لا يرد التعبد بها، فلم يكن العقل موجبا لها، وإنما أوجب العقل أن يمنع كل واحد نفسه من العقلاء عن التظالم والتقاطع. ويأخذ بمقتضى العدل في التناصف والتواصل، فيتدبر بعقله لا بعقل غيره، ولكن جاء الشرع يتفويض الأمور إلى وليه في الدين، قال الله عز وجل:  يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( ). ففوض علينا طاعة أولي الأمر فينا وهم الأئمة المتأمرون علينا. وروى هشام بن عروة عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله  قال: « سيليكم بعدي ولاة فيليكم البر ببره، ويليكم الفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فإن أحسنوا فلكم ولهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم ».
فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو أهلها سقط فرضها على الكفاية. وإن لم يقم بها أحد خرج من الناس فريقان: أحدهما: أهل الاختيار حتى يختار إماما للأمة. والثاني: أهل الإمامة حتى ينتصب أحدهم للإمامة، وليس على من عدا هذين الفريقين من الأمة في تأخير الإمامة حرج ولا مأثم، وإذا تميز هذان الفريقان من الأمة في لشروطها............والثاني العلم الذي يتوصل به إلى معرفة من يستحق الإمامة على الشروط المعتبرة فيها. والثالت الرأي والحكمة المؤديان إلى اختيار من هو للإمامة أصلح وبتدبير المصالح أقوم وأعرف وليس لمن كان في بلد الإمام على غيره من أهل البلاد فضل مزية تقدم بها عليه وإنما صار من يحضر ببلد الإمام متوليا لعقد الإمامة عرفا لا شرعا، لمسبوق علمهم بموته ولأن من يصلح للخلافة في الأغلب موجودون في بلده.
وأما أهل الإمامة فالشروط المعتبرة فيهم سبعة: أحدها: العدالة على شروطها الجامعة. والثاني: العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام. والثالث: سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة ما يدرك بها. والرابع: سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض. والخامس: الرأي المفضي إلى سياسة المرعية وتدبير المصالح. والسادس: الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو. والسابع: النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه ولا اعتبار بضرار حين شذ فجوزها في جميع الناس، لأن أبا بكر الصديق  احتج يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة عليها بقول النبي : « الأئمة من قريش » فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيهاحين قالوا: منا أمير ومنكم أمير تسليما لروايته وتصديقا لخبره ورضوا بقوله: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، وقال النبي : « قدموا قريشا ولا تقدموها ». ليس مع هذا النص المسلم شبهة بالمنازع فيه ولا قول لمخالف له.
قال الإمام سعيد حوى في "الإسلام"، صـ:362-363: تنعقد الإمامة من طريق واحد مشروع لا ثاني له، وهو اختيار أهل الحل والعقد للإمام أو الخليفة، وقبول الإمام أو الخليفة لمنصب الخلافة.
فالإمام أو الخلافة ليست إلا عقدا، طرفاه الخليفة من ناحية وأولو الرأي في الأمة من الناحية الأخرى، ولا ينعقد العقد إلا بإيجاب وقبول. الإيجاب من من أولي الرأي في الأمة أو أهل الشورى، وهو عبارة عن اختيار الخليفة، والقبول من جانب الخليفة الذي اختاره أولو الرأي في الأمة.
على هذا جرى الأمر بعد وفاة الرسول ، وبهذه الطريقة بويع الخلفاء الراشدون جميعا ونستطيع أن نتبين ذلك إذا رجعنا إلى الوقائع التي قامت عليها بيعة كل منهم، والظروف التي تمت فيها وحللناها تحليلا علميا ومنطقا.
لما توفي الرسول  اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة وأخرجوا سعد بن عبادة ليولوه الأمر، ويسمع عمر بن الخطاب بالخبر فأخبر أبا بكر وذهبا ومعهما أبو عبيدة إلى السقيفة فخطب أبو بكر في الحاضرين وعرض عليهم أن يختاروا عمرا أو أبا عبيدة فقالا: والله لا نتولي هذا الأمر عليك وأنت أفضل المهاجرين وخليفة رسول الله  في الصلاة، ابسط يدك نبايعك. فلما ذهبا يبايعانه سبقهما بشير بن سعد من الأنصار فبايعه وتتابع الناس فبايعوه من كل جانب فلما كان الغد جلس أبو بكر على المنبر وبايعه الناس بيعة عامة.
هذه هي بيعة أبي بكر لم تتم إلا باختيار المهاجرين والأنصار وأولي الرأي في الأمة وبقبول أبي بكر لهذا الاختيار وإقراره له. واختيار أبي بكر على هذا الوجه يتفق مع قول الله عز وجل  وأمرهم شورى بينهم ( ).
وأهم أمور المسلمين وأحقها بالشورى هو أمر الحكم، فعلى المسلمين أن يختاروا من يلي أمرهم ويقوم على شئونهم وينفذ أمر الله فيهم ليحققوا ما وصفهم الله به من أن أمرهم شورى بينهم.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في "الاقتصاد في الإعتقاد"؛ صـ:145-151: ولا ينبغي أن تظن أن وجوب ذلك مأخوذ من العقل. فإنا بينا أن الوجوب يؤخذ من الشرع إلا أن يفسره الواجب بالفعل الذي فيه فائدة وفي تركه أدنى مضرة. وعند ذلك لا ينكر وجوب نصب الإمام لما فيه من الفوائد ودفع المضار في الدنيا. ولكنا نقيم البرهان القطعي الشرعي على وجوبه ولسنا نكتفي بما فيه من إجماع الأمة. بل ننبه على مستند الإجماع ونقول: نظام أمر الدين مقصود لصاحب الشرع عليه السلام قطعا. وهذه مقدمة قطعية لا يتصور النزاع فيها، ونضيف إليها مقدمة أخرى وهو أنه لا يحصل نظام الدين إلا بإمام مطاع فيحصل من المقدمتين صحة الدعوى وهو وجوب نصب الإمام. فإن قيل: المقدمة الأخيرة غير مسلمة وهو أن نظام الدين لا يحصل إلا بإمام مطاع. فدلوا عليها. فنقول: البرهان عليه أن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا. ونظام الدنيا لا يحصل إلا بإمام مطاع، فهاتان مقدمتان ففي أيهما النزاع؟، فإن قيل: لم قلتم إن نظام الدين لا يحصل إلا بنظام الدنيا، بل لا يحصل إلا بخراب الدنيا، فإن الدين والدنيا ضدان والاشتغال بعمارة أحدهما خراب الآخر. قلنا: هذا كلام من لا يفهم ما نريده بالدنيا الآن. فإنه لفظ مشترك قد يطلق على فضول التنعم والتلذذ والزيادة على الحاجة والضرورة، وقد يطلق على جميع ما هو محتاج إليه قبل الموت. وأحدهما ضد الدين والآخر شرطه وهكذا يغلط من لا يميز بين معاني الألفاظ المشتركة. فنقول: نظام الدين بالمعرفة والعبادة لا يتوصل إليهما إلا بصحة البدن وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجة من الكسوة والمسكن والأقوات، والأمن وهو آخر الآفات. ولعمري من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه وله قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيراها، وليس يأمن الإنسان على روحه وبدنه وماله ومسكنه وقوته في جيمع الأقوال بل في بعضها فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه المهمات الضرورية، وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة، متى يتفرعه للعلم والعمل وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة، فإذن بأن نظام الدنيا، أعني مقادر الحاجة شرط لنظام الدين.
وأما المقدمة الثانية وهو أن الدنيا والأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطان مطاع فتشهد له مشاهدة أوقات الفتن بموت السلاطين والأئمة وإن ذلك لو دام ولم يتدارك بنصب سلطان آخر مطاع دام الهرج وعم السيف وشمل القحط وهلكت المواشي وبطلت الصناعات، وكان كل غلب سلب ولم يتفرغ أحد للعبادة والعلم إن بقي حيا والأكثرون يهلكون تحت ظلال السيوف، ولهذا قيل: الدين والسلطان توأمان، ولهذا قيل: الدين أس وسلطان حارس وما لا أس له فمهدوم وما لا حارس له فضائع. وعلى الجملة لا يتمارى العاقل في أن الخلق على الختلاف طبقاتهم وما هم عليه من تشتت الأهواء وتباين الأراء لو خلوا وراءهم ولم يكن رأي مطاع يجمع شتاتهم لهلكوا من عند آخرهم وهذا داء لا علاج له إلا بسلطان قاهر مطاع يجمع شتات الأراء، فبان أن السلطان ضروري في نظام الدنيا فنظام الدنيا ضروري في نظام الدين ونظام الدين ضروري في الفوز في سعادة الآخرة وهو مقصود الأنبياء قطعا فكان وجوب نصب الإمام من ضروريات الشرع الذي لا سبيل إلى تركه فاعلم ذلك. فنقول: ليس يخفى أن التنصيص على واحد نجعله إماما بالتشهي غير ممكن، فلا بد له من تمييز بخصاية يفارق سائر الخلق بهذا فتلك خاصية في نفسه وخاصية من جهة غيره. أما من نفسه فأن يكون أهلا لتدبير الخلق وحملهم على مراشدهم. فذلك بالكفاية والعلم والورع وبالجملة خصائص القضاة تشترط فيه مع زيادة نسب قريش؛ وعلم هذا الشرط الرابع بالسمع حيث قال النبي : « الأئمة من قريش » فهذا تميزه عن أكثر الخلق ولكن ربما يجتمع في قريش جماعة موصوفون بهذه الصفات فلا بد من خاصية أخرى تميزه، وليس ذلك إلا التولية أو التفويض من غيره، فإنما يتعين للإمامة مهما وجدت التولية في حقه على الخصوص من دون غيره، فيبقى الآن النظر في صفة المولي فإن ذلك لا يسلم لكل أحد بل لا بد فيه من خاصية وذلك لا يصدر إلا من أحد ثلاثة: إما النصيص من جهة النبي  وإما التنصيص من جهة إمام العصر بأن يعين لولاية العهد شخصا معينا من أولاده أو سائر قريش، وإما التفويض من رجل ذي شوكة يقتضي انقياده وتفويضه متابعة الآخرين ومبادرتهم إلى المبايعة. وذلك قد يسلم في بعض الأعصار لشخص واحد مرموق في نفسه مرزوق بالمتابعة مسؤول على الكافة ففي بيعته وتفويضه كفاية عن تفويض غيره لأن المقصود أن يجتمع شتات الأراء لشخص مطاع وقد صار الإمام بمبايعة هذا المطاع مطاعا. وقد لا يتفق ذلك لشخص واحد بل التفويض حتى تتم الطاعة. بل أقول: لو لم يكن بعد وفات الإمام إلا قرشي واحد مطاع متبع فنهض بالإمامة وتولاها بنفسه ونشأ بشوكته وتشاغل بها واستتبع كافة الخلق بشوكته وكفايته وكان موصوفا بصفات الأئمة فقد انعقدت إمامته ووجبت طاعته، فإن تعين بحم شوكته وكفايته، وفي منازعته إثارة الفتن إلا أن من هذا حاله فلا يعجز أيضا عن أخذ البيعة من أكابر الزمان وأهل الحل والعقد، وذلك أبعد من الشبهة فلذلك لا يتفق مثل هذا في العادة إلا عن بيعة وتفويض.
فإن قيل: فإن كان المقصود حصول ذي رأي مطاع يجمع شتات الأراء ويمنع الخلق من المحاربة والقتال ويحملهم على مصالح المعاش والمعاد، فلو انتهض لهذا الأمر من فيه الشروط كلها سوى شروط القضاء ولكنه مع ذلك يراجع العلماء ويعمل بقولهم فماذا ترون فيه، أيجب خلعه ومخالفته أم تجب طاعته؟.
قلنا: الذي نراه ونقطع أنه يجب خلعه إن قدر على أن يستبدل عنه من هو موصوف بجميع الشروط من غير إثارة فتنة وتهييج قتال، وإن لم يكن ذلك إلا بتحريك قتال وجبت طاعته وحكم بإمامته لأن ما يفوتنا من المصارفة بين كونه عالما بنفسه أو مستفتيا من غيره دون ما يفوتنا بتقليد غيره. إذا افتقرنا إلى تهييج فتنة لا ندري عاقبتها، وربما يؤدي ذلك إلى هلاك النفوس والأموال. والزيادة صفة العلم إنما تراعي مزية وتتمة للمصالح، فلا يجوز أن يعطل عصر المصالح في التشوق إلى مزاياها وتكملاتها وهذه مسائل فقهية فيلون المستعبد لمخالفته المشهود على نفسه استعباده ولينزل من غلوائه فالأمر أهوان مما يظنه، وقد استقضينا تحقيق هذا المعنى في الكتاب الملقب بالمستظهري المنصف في الرد على الباطلة. فإن قيل: فإن تسامحتم بخصلة العلم لزمكم التسامح بخصلة العدالة وغير ذلك من الخصال. قلنا: ليست هذه مسامحة عن الاختيار ولكن الضرورات تبيح المحظورات. ونحن نعلم أن تناول الميتة محظور ولكن الموت أشد منه فليت شعري من ليس عيد على هذا ويقضي ببطلان الإمام في عصرنا لفوات شروطها وهو عاجز عن الاستبدال بالمتصدى لها هل هو فاقد للمتصف بشروطها فأي أحواله أحسن: أن يقول القضاة معزولون والولايات باطلة والأنكحة غير منعقدة وجميع تصرفات الولاة في أقطار العالم غير نافذة وإنما الخلق كلهم مقدومون على الحرام. أو أن يقول بالإمامة منقعدة والتصرفات والولاية نافذة بحكم الحال والاضطرار، فهو بين ثلاثة أمور إما أن يمنع الناس من الأنكحة والتصرفات المنوطة بالقضاة وهو مستحيل ومؤدي إلى تعطيل المعايش كلها ويفضي إلى تشتيت الأراء ومهلك للجماهر والدهماء أو يقول إنهم يقدمون على الأنكحة والتصرفات ولكنهم مقدمون على الحرام. إلا أنه لا يحكم بفسقهم ومعصيتهم لضرورة الحال، وإما أن نقول يحكم بانقاد الإمامة مع فوات شروطها لضرورة الحال فمعلوم أن البعيد مع الأبعد قريب وأهوان الشرين خير بالإضافة ويجب على العاقل اختياره. فهذا تحقيق هذا الفصل.
قال الإمام الماوردي في أحكام السلطانية: 14-17؛ والذي يلزم من الأمور على العامة عشرة أشياء:
أحدها: حفظ الدين على أصوله المستقرة وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع أو زاغ ذو شبهة عنه أوضح له الحاجة وبين له الصواب وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود ليكون الدين محروسا من خلال والأمة ممنوعة من زلل.
والثاني: تنفيذ الأحكام بين المتشاجرين وقطع الخصام بين المتنازعين حتى تعم النصفة، فلا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم.
الثالث: حماية البيضة والذب عن الحريم ليتصرف الناس في المعايش وينتشروا في الأصفار آمنين من تغرير بنفس أو مال.
والرابع: إقامة الحدود لتصان محارم الله تعالى عن الانتهاك وتحفظ حقوق عباده من إتلاف واستهلاك.
والخامس: تحسين الثغور بالعدة المانعة والقوة الدافعة حتى لا تظفر الأعداء بغرة ينتهكون فيها محرما أو يسفكون فيها لمسلم أو معاهد دما.
والسادس: جهاد من عائد الإسلام بعد الدعوة حتى يسلم أو يدخل في الذمة ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على دين كله.
والسابع: جباية الفيء والصدقات على ما أوجبه الشرع نصا واجتهادا من غير خوف ولا عسف.
والثامن: تقدير العطايا وما يستحق في بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.
والتاسع: استكفاء الأمناء وتقليد النصحاء فيما يفوض إليهم من الأعمال ويكله إليهم من الأموال لتكون الأعمال بالكفاءة مضبوطة والأموال بالأمناء محفوظة.
والعاشر: أن يباشر بنفسه مشارفة الأمور وتصفح الأحوال لينهض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ولا يعول على التفويض تشاغلا بلذة أو عبادة فقد يحون الأمين ويغش الناصح, وقد قال الله تعالى:  يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى ويطلق عن سبيل ( ). فلم يقتصر الله سبحانه على التفويض دون المباشرة ولا عذره في الإتباع حتى وصفه بالضلال، وهذا وإن كان مستحقا عليه بحكم الدين ومنصب الخلافة فهو من حقوق السياسة لكل مسترع قال النبي : « كلكم راع وكلكم مسؤول عن راعيته ».
وإذا قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمة فقد أدى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم، ووجب له عليهم حقان الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله. والذي يتغير به حاله ويخرج به عن الإمامة شيئان؛ أحدهما: جرح في عدالته ، والثاني: نقص في بدنه.
فأما الجرح في عدالته وهو الفسق فهو على ضربين؛ أحدهما: ما تابع فيه الشهوة، والثاني: ما تعلق به بشبهة. فأما الأول منهما فمتعلق بأفعال الجوارح وهو ارتكابه للمحظورات وإقدامه على المنكرات تحكيما للشهورة وانقيادا للهوى، فهذا فسق يمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها، وإذا طرأ على من انعقدت إمامته خرج منها، فلو عاد إلى العدالة لم يعد إلى الإمامة إلا بعقد جديد.
وقال بعض المتكلمين: يعود إلى الإمامة بعوده إلى العدالة من غير أن يستأنف له عقد ولا بيعة لعموم ولايته ولحقوق المشقة في استئناف بيعته.
وأما الثاني منهما: فمتعلق بالاعتقاد المتأول بشبهة تعترض فيتأول لها خلاف الحق فقد اختلف العلماء فيها وذهب فريق منهم إلى أنها تمنع من انعقاد الإمامة ومن استدامتها ويخرج بحدوثه منها لأنهم لما استوى حكم الكفر بتأويل وغير قابل وجب أن يستوي حالي الفسق بتأويل وغير تأويل.
وقال كثير من علماء البصرة أنه لا يمنع من انعقاد الإمامة ولا يخرج به منها كما لا يمنع من ولاية القضاء وجواز الشهادة. وقد ذكر العلماء فيما طرأ على بدنه من نقص تفاصل مطولة تطلب في مظانها.
وإذا تمهد ما وصفناه من أحكام الإمامة وعموم نظرها في مصالح الملة وتدبير الأمة، وإذا استقر عقدها للإمام انقسم ما صدر عنه من ولاية خلفائه أربعة أقسام:
فالقسم الأول: من تكون ولايته عامة في الأعمال العامة وهم الوزراء لأنهم يستتابون في جميع الأمور من غير تخصيص.
والقسم الثاني: من تكون ولايته عامة في أعمال خاصة وهم أمراء الأقاليم والبلدان لأن النظر فيا خصبوا به من الأعمال عام في جميع الأمور.
والقسم الثالث: من تكون ولايته خاصة في الأعمال العامة وهم كقاضي القضاة ونقيب ا لجيوش وحامي الثغور ومستوفي الخراج وجابي الصدقات، لأن كل واحد منهم مقصور على نظر خاص في جميع الأعمال.
والقسم الرابع: من تكون ولايته خاصة في الأعمال الخاصة وهم كقاض بلد أو إقليم أو مستوفى خرجه أو جابي الصدقاته أو حامي ثغره أو نقيب جند لأن كل واحد منهم خاص النظر مخصوص العمل، ولكل واحد من هؤلاء الولاة شروط تنعقد بها ولايته ويصح معها نظرهم.
قال الإمام أبو حامد الغزالي في الإحياء علوم الدين؛ 1/17: أما فرض الكفاية فهو كل علم لا يستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالفلاحة والحياكة والسياسة بل الحجامة والخياطة فإنه لو خلا البلد من الحجام تسارع الهلاك إليهم وخرجوا بتعريضهم أنفسهم للهلاك وإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء وأرشد غلى استعماله وأعد الأسباب لتعاطيه فلا يجوز التعرض للهلاك بإهماله.
قال الشيخ ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة؛ 1/149: اعلم أنه يشترط في الخليفة أن يكون عاقلا بالغا حرا ذكرا شجاعا ذا رأي وسمع وبصر ونطق وممن سلم الناس شرفه وشرف قومه ولا يستنكفون عن طاعته قد عرف منهم أنه يتبع الحق في سياسة المدينة، هذا كله يدل عليه العقل.
واجتمعت أمم بني آدم على تباعد بلدانهم واختلاف أديانهم على اشتراطها لا رأوا أن هذه الأمور لا تتم المصلحة المقصودة من نصب الخليفة إلا بها وإذا وقع شيء من إهمال هذه رأوه خلاف ما ينبغي وكرهه قلوبهم وسكتوا على غيظ وهو قوله  في فارس لما ولوا عليهم امرأة: « لن يفلح قوم ولّوا عليهم امرأة »، والملة المصطفوية اعتبرت في خلافة النبوة أمورا أخرى، منها الإسلام والعلم والعدالة وذلك لأن المصالح الملتية لا تتم بدونها ضرورة أجمع المسلمون عليه، والأصل في ذلك قوله تعالى:  وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم  إلى قوله تعالى  فأولئك هم الفاسقون . ومنها: كونه من قريش، قال النبي : « الأئمة من قريش ».
والسبب المقتضي لهذا أن الحق الذي أظهره الله على لسان نبيه  إنما جاء بلسان قريش وفي عاداتهم، وكان أكثر ما تعين من المقادير والحدود ما هو عندهم، وكان المعد لكثير من الأحكام ما هو فيهم فهم أقوام به وأكثر الناس تمسكا بذلك، وأيضا فإن قريشا قوم النبي  وحزبه ولا فخر لهم إلا بلعو دين محمد ، وقد اجتمع فيهم حمية جينية وحمية نسبية فكانوا مظنة القيام بالشرائع والتمسك بها، وأيضا فإنه يجب أن يكون الخليفة ممن لا يستنكف الناس من طاعته لجلالة نسبه وحسبه فإن من لا نسب له يراه الناس حقيرا ذليلا، وأن يكون ممن عرف منه الرياسة ومارس قومه جمع الرجال ونصب القتال وأن يكون قومه أقوياء يحمونه وينصرونه ويبذلون دونه الأنفس ولم تجتمع هذه الأمور إلا في قريش لا سيما بعد ما بعث النبي  ونبه به أمر قريش.
وقد أشار أبو بكر الصديق  إلى هذه فقال: ولن يعرف هذا الأمر إلا بقريش هم أوسط العرب دارا إلخ. وإنما لم يشترط كونه هاشميا مثلا لوجهين: أحدهما: أن لا يقع الناس في الشك فيقولوا إنما أراد ملك أهل بيته كسائر الملوك فيكون سببا للارتداد، ولهذه العلة لم يعط النبي  المفتاح للعباس بن عبد المطلب . والثاني: أن المهم في الخلافة رضا الناس به واجتماعهم عليه وتوقيرهم إياه وأن يقيم الحدود ويناضل دون الملة وينفذ الأحكام واجتماع هذه الأمور ولا يكون إلا في واحد بعد واحد، وفي اشتراط أن يكون من قبيلة خاصة تضييق وحرج فربما لم يكن في هذه القبيلة من تجتمع فيه الشروط وكان في غيرها، ولهذه العلة ذهب الفقهاء إلى المنع عن اشتراط المسلم فيه من قرية صغيرة وجوزوا كونه من قرية كبيرة.
قال الإمام ابن القيم في بدائع الفوائد: 3/153: قال ابن عقيل: السياسة ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي لكنه لم يخالف ما نطق به الشرع وقد جرى من الخلفاء الراشدين من القتل والمثل ما لا يجحده عالم بالسنن ولو لم يكن إلا تحريق المصاحف كان رأيا اعتمدوا فيه على مصلحة وتحريق علي في الأخاديد، وقال:
إني إذا شاهدت أمرا منكرا  أججت ناري ودعوت قنبرا
ونفي عمر نصر بن حجاج (قلت) هذا موضع مزلة أقدام وهو مقام ضنك ومعترك صعب فرط فيه طائفة فعطلوا الحدود وضيعوا الحقوق وجرأوا أهل الفجور على الفساد وجعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بها مصالح العباد وسدوا على نفسوهم طرقا عديدة من طرق معرفة الحق من الباطل بل عطلوها مع علمهم قطعا وعلم غيرهم بأنها أدلة حق طنا منهم منافاتها لقواعد الشرع والذي أوجب لهم ذلك نوع تقصير في معرفة الشريعة. فلما رأى ولاة الأمر ذلك وأن الناس لا يستقيم أمرهم إلا بشيء زائد على ما فهمه هؤلاء من الشريعة أحدثوا لهم قوانين سياسية ينتظم بها أمر العالم فتولدى من تقصير أولئك في الشريعة وإحداث هؤلاء ما أحدثوه من أوضاع سياستهم شر طويل وفساد عريض وتفاهم الأمر وتعذر استدراكه ...وأفرطت طائفة أخرى لسوغت منه ما ينافي حكم الله ورسوله وكلتا الطائفتين أتت من تقصيرها في معرفة ما بعث الله به رسوله فإن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط وهو العدل الذي به قامت السموات والأرض فإذا ظهرت أمارات العدل وتبين وجهه بأي طريق كان فثم شرع الله ودينه والله تعالى لم يصر طرق العدل وأدلته وعلاماته في شيء ونفى غيرها من الطرق التي هي مثلها أو أقوى منها بل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة العدل وقيام الناس بالقسط فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين (لا يقال) إنها مخالفة له فلا تقول إن السياسة العادلة مخالفة لما نطق به الشرع بل موافقة لما جاء به بل هي جزء من أجزائه ونحن نسميها سياسة تبعا لمصلطحكم وإنما هي شرع حق: فقد حبس رسول الله  في نميمة وعاقب في تهمة لما ظهر أمارات الريبة على المتهم فمن أطلق كل متهم وخلى سبيليه مع علمه باشتهاره بالفساد في الأرض ونقبه البيوت وكثرة سرقاته وقال: لا آخذه إلا بشاهدي عدل فقوله مخالف للسياسة الشرعية وكذلك منع النبي  إلغاء من سهمه من الغنيمة وتحريق الخلفاء الراسدين متاعه كله وكذلك أخذه سطر مال مانع الزكاة وكذلك إضعاف الغرم على سارق ما لا يقطع فيه وعقوبته بالجلد وكذلك إضعافه الغرم على كاتم الضالة وكذلك تحريق عمر حانوت الخمار وتححريق قربة خمروتحريقه قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرؤية وكذلك حلقه رأس نصر بن حجاج ونفيه وكذلك ضربه صبيغا. وكذلك مصادرته عماله وكذلك إلزامه الصحابة أن يقلوا الحديث عن رسول الله  ليشتغل الناس بالقرآن فلا يضيعوه إلى غير ذلك من السياسة التي ساس بها الأمة فصارت سنة إلى يوم القيامة وإن خالفها من خالفها، ومن هذا تحريق الصديق  للوطي، ومن هذا تحريق عثمان  للصحف المخالفة للسان قريش، ومن هذا اختيار عمر  للناس الإفراد بالحج ليعتمروا في غير أشهره فلا يزالوا البيت الحرام مقصودا إلى أضعاف أضعاف ذلك من سياساتهم التي ساسوا بها الأمة وهي بتأويل القرآن وسنته. وتقسيم الناس الحكم إلى شريعة وسياسة كتقسيم من قسم الطريقة إلى شريعة وحقيقة وذلك تقسيم باطل فالحقيقة نوعان؛ حقيقة هي حق صحيح فهي لب الشريعة لا قسيمتها، وحقيقة باطلة فهي مضادة لشريعة الهدى. وكذلك السياسة نوعان؛ سياسة عادلة فهي جزء من الشريعة وقسم من أقسامها لا قسيمتها ، وسياسة باطلة فهي مضادة للشريعة مضادة الظلم للعدل، ونظير هذا تقسيم بعض الناس الكلام في الدين إلى الشرع والعقل وهو تقسيم باطل بل المعقول قسمان؛ قسم يوافق ما جاء به الرسول فهو معقول كلامه ونصوصه لا قسيم ما جاء به، وقسيم يخالفه وذلك ليس بمعقول وإنما هي خيالات وشبه باطلة للظن صاحبها أنها معقولات وإنما هي خيالات وشبهات، وكذلك القياس والشرع فالقياس الصحيح هو معقول النصوص والقياس الباطل المخالف للنصوص مضاد للشرع، فهذا الفصل هو فرق ما بين ورثة الأنبياء وغيرهم وأصله مبني على حرف واحد وهو عموم رسالته بالسنة إلى كل ما يحتاج إليه العباد في معارفهم وعلومهم وأعمالهم التي بها صلاحهم في معاشهم ومعادهم وأنه لا حاجة إلى أحد سواه ألبتة وإنما حاجتنا إلى من يبلغنا عنه ما جاء به فمن لم يستقر هذا في قلبه لم يرسخ قدمه في الإيمان بالرسول  بل يجب الإيمان بعموم رسالته في ذلك كما يجب الإيمان بعموم رسالته بالنسبة إلى المكلفين فكما لا يخرج أحد من الناس عن رسالته ألبتة فكذلك لا يخرج حق من العلم به والعلم به عما جاء به، فما جاء به هو الكافي الذي لا حاجة بالأمة إلى سواه وإنما يحتاج إلى غيره من قل نصيبه من معرفته وفهمه فبحسب قلة نصيبه من ذلك تكون حاجته وإلا فقد توفي رسول الله  وما من طائر يقلب جناحيه في السماء إلا وقد ذكر للمة منه علما وعلمهم كل شيء حتى آدات التخلي وآداب الجماع والنوم والقيام والقعود والأكل والشرب والركوب والنزول ووصف لهم العرش والقرشي والملائكة والجنة والنار ويوم القيامة وما فيه حتى كأنه رأي عين وعرفهم بربهم ومعبودهم أتم تعريف حتى كأنهم يرونه بما وصفه لهم به من صفات كماله ونعوت جلاله وعرفهم الأنبياء وأممهم وما جرى لهم معهم حتى كأنهم كانوا بينهم وعرفهم من طرق الخير والشر دقيقها وجليلها ما لم يعرفه نبي لأمته قبله، وعرفهم من أحوال الموت وما يكون بعده في البرزخ وما يحصل فيه من النعيم والعذاب للروح والبدن ما جلى لهم ذلك حتى كأنهم يعاينونه، وكذلك عرفهم من أدلة التوحيد والنبوة والمعاد والرد على جميع طوائف أهل الكفر والضلال ما ليس لمن عرفه حاجة إلى كلام أحد من الناس ألبتة وكذلك عرفه من مكايد الحروب ولقاء العدو وطرق الظفر به ما لو علموه وفعلوه لم يقم لهم عدو أبدا عرفهم من مكائد إبليس وطرقه التي يأتيهم منها وما يحترزون به من كيده ومكره وما يدفعون به شره بما لا مزيد عليه، وبذلك أرشده في معاشهم إلى ما لو فعلوه لاستقامت لهم دنياهم أعظم استقامة وبالجملة فقد جاءهم رسول الله  بخير الدنيا والآخرة بحذافيره ولم يجعله الله بهم حاجة إلى أحد سواه، ولهذا ختم الله به ديوان النبوة فلم يجعل بعضه رسولا لاستغناء الأمة به عمن سواه فكيف يظن أن شريعته الكاملة المكملة محتاجة إلى سياسية خارجة عنها أو إلى حقيقة خارجة عنها أو إلى قياس خارج عنها أو إلى معقول خارج عنها فمن ظن ذلك فهو كمن ظن أن بالناس حاجة إلى رسول آخر بعده، وسبب هذا كله خفاء ما جاء به على من ظن ذلك. قال تعالى:  أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون ، العنكبوت: 51، وقال تعالى:  ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين  النحل:89، وقال تعالى:  إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم  الإسراء: 9، وقال تعالى:  يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين  يونس: 58، وكيف يشفي ما في الصدور كتاب لا يفي بعشر معاشر ما الناس محتاجون إليه على زعمهم الباطل. ويا الله العجب كيف كان الصحابة والتابعون قبل وضع هذه القوانين واستخراج هذه الآراء والمقاييس والأقوال أهل كانوا مهتدين بالنصوص أم كانوا على خلاف ذلك حتى جاء المتأخرون أعلم منهم وأهدى منهم هذا ما لا يظنه من به رمق من عقل أو حياء نعوذ بالله من الخذلان؛ ولكن من أوتي فهما في الكتاب وأحاديث الرسول  استغنى بهما عن غيرهما بحسب ما أوتيه من الفهم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
انتهى كلام ابن القيم ؛ قلت: وإنما نحتاج إلى كلام الأئمة الأربعة ومعرفة مذاهبم ودراسة آرائهم لأنها وسيلة إلى العمل بالكتاب والسنة وفهمهما وتطبيقهما كما معلوم عن كل من له أدنى إلمام بأصول الفقه. والله أعلم.

Related Posts by Categories



Tidak ada komentar:

Posting Komentar