مقدمة

إنّ الحمد لله تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضللْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وبعد :

Alhamdulillah, berkat Taufiq serta Hidayah-Nya, akhirnya blog sederhana ini dapat terselesaikan juga sesuai dengan rencana. Sholawat salam semoga selalu tercurah kepada Nabi Muhammad SAW beserta keluarga dan sahabat-sahabatnya.

Bermodal dengan keinginan niat baik untuk ikut serta mendokumentasikan karya ilmiah perjuangan Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, maka sengaja saya suguhkan sebuah blog yang sangatlah sederhana dan amburadul ini, tapi Insya Allah semua ini tidak mengurangi isi, makna dan tujuhan saya.

Blog yang sekarang ini berada di depan anda, sengaja saya tampilkan sekilas khusus tentang beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen, mengingat dari Ponpes Al Anwar Karangmangu Sarang sudah memiliki website tersendiri yang mengupas secara umum keberadaan keluarga besar pondok. Tiada lain tiada bukan semua ini sebagai rasa mahabbah kepada Sang Guru Syaikhina Muhammad Najih Maemoen.

Tidak lupa saya haturkan beribu terima kasih kepada guru saya Syaikhina Maemoen Zubair beserta keluarga, terkhusus kepada beliau Syaikhina Muhammad Najih Maemoen yang selama ini telah membimbing dan mengasuh saya. Dan juga kepada Mas Fiqri Brebes, Pak Tarwan, Kak Nu'man, Kang Sholehan serta segenap rekan yang tidak bisa saya sebut namanya bersedia ikut memotifasi awal hingga akhir terselesainya blog ini.

Akhirnya harapan saya, semoga blog sederhana ini dapat bermanfa’at dan menjadi Amal yang di terima. Amin.

Minggu, 30 Mei 2010

الدراسة الدينية في مسائل الزكاة العصرية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي قرن في محكم كتابه بين الصلاة وبين زكاة الأموال الفاضلة وفي مواضع منه عبر تعالى عنها بالإنفاق والصدقة فريضة ونافلة ,أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نكون بها من زمرة أهل الحق العادلة وأن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله خير الصالحين العابدين له. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا الكفار ومانعي الزكاة قتالا لا نظير له .
أما بعد : فإن الزكاة مقامها في الدين أنها قرينة الصلاة وتاليتها في الفضل والفريضة قال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة وقال تعالى:  كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين . الآيات.(المدثر:38-44). وقال جلّ شأنه في وصف المشركين :  و أولئك هم المعتدون فان تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون  (التوبة : 10-11). وقال سبحانه وتعالى في هؤلاء المشركين أيضا : فان تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) إلى آخر الأدلة الدالة على أنها ركن من أركان هذا الدين معلوم وجوبها من الدين بالضرورة يكفر جاحد وجوبها ويكون من جملة المرتدين ويقاتل مانعوها كما هو ظاهر الحديث المذكور في الأعلى وعمل به الصحابة في عهد أبي بكر الصديق القائل : "والله لنقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوا عناقا أو عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها". وحيث كان شأنها ما ذكرنا وأن تقسيمها من وظائف الدولة المسلمة وأعمالها الهامة وجب على العلماء ورثة الأنبياء في كل عصر وفي كل مكان بيان وجوبها وبيان مصارفها الثمانية المنصوصة في القرآن وبيان ما نؤخذ منه وقدر المخرج عنها وبيان حكمها وفوائدها الدينية والدنيوية .

مصارف الزكاة
أما المصارف الثمانية فمعلومة من قوله تعالى :  إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم. (التوبة : 60).وحدود هؤلاء الثمانية وتعاريفهم مذكورة في كتب الفقه والفروع . ومعلوم أن الفقير أشد حاجة من المسكين لاستعاذة النبي صلى الله عليه وسلم بالله من وصف الفقر في قوله صلى الله عليه وسلم : "(كاد الفقر أن يكون كفرا)", وقوله صلى الله عليه وسلم : "(اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)", وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "(اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين)".فـ (المسكين): هو الذي له مال له يسد مسدا من كفايته ولا تتم به. (والفقير): من ليس له مال أصلا أو له مال لا يسد مسدا من كفايته فضلا أي يكون له قدر حاجته وكفايته , وهذا عند الشافعية والحنابلة, بخلاف الحنفية فبالعكس. وقال الطبري : الفقير هو المتعفف عن السؤال والمسكين هو الطوّاف المتعرض للسؤال , والله أعلم . (والعاملون على الزكاة) هم الذين نصبهم رئيس الدولة المسلمة للسعي في أخذها وجباية أموال الزكاة وكتابتها وحفظها وتقسيمها بين مستحقيها وشرطهم الإسلام والبلوغ والعقل وفقه أحكام الزكاة .
وبالأسف الشديد أن حكومتنا الإندونيسية مع أنها أعظم بلاد المسلمين وأكثر الدول سكانا مسلمين ليس لها عناية واهتمام بأمر الزكاة إلا في الآونة الأخيرة في أيام أزماتها الاقتصادية العصيبة, وبالأسف الأشد صرح بعض رؤسائها بإرادة الحكومة للعناية بأخذ الزكاة لسد ديونها الباهظة وهذا التصريح يدل على ضعف إيمان أكثرية مسلمي بلادنا خصوصا هؤلاء الرؤساء فهم يمتنعون من إقامة الشريعة الإسلامية إلا في أوقات حاجاتها وضروراتها السياسية والاقتصادية يأبون الجهاد في سبيل الله إلا إذا دهمهم العدو بغتة واستولى على أراضيهم الأعداء فعندها يستنفرون المسلمين باسم الجهاد في سبيل الله كما وقع ذلك أوائل أيام سوكارنا حتى قام الجهاد في سورابايا بصرخة بوع تاما وإخوانه بكلمة (الله أكبر) فلما تم لهم المقصود من إرجاع الأعداء لم يلتفتوا إلى الشريعة بالمرة بل عادوا طوائف المسلمين المكافحين في سبيل تقنين الشريعة في بلادنا كحزب ماشومي ( مجلس شوري مسلمي إندونيسيا) الذي قررت حكومة سوكارنا حله ونقضه وكذلك حل المجلس التأسيسي للبلاد بعد ما خاف سوكارنا وإخوانه أن يصير ميثاق جاكرتا المبني على الشريعة أساسا لقوانين البلاد اللهم اهد قومي لإقامة شرعك فإنهم لا يعلمون أنه الحق المبين وأن ما سواه باطل وكفر وإلحاد وفسوق وعصيان .آمين.
وقد ازدادت الآن في بلادنا نسبة الشعب المنكوبين من الفقراء والمساكين فوجب شرعا وعقلا على الدولة المسلمة كدولتنا باعتبار شعوبها المسلمين تنفيذ وإقامة فريضة الزكاة امتثالا لأمر الله واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين ورحمة لإخواننا هؤلاء الضعفاء المجهودين من الغارمين والفقراء والمساكين لا محاباة ومجاملة لأصحاب الثروات العظيمة أصحاب المصانع والمؤسسات الكبيرة المتهاونين والمتباطئين في دفع واجباتهم من أداء الديون الحالة على كواهلهم وإعطاء الضرائب الحكومية المضروبة عليهم وسد ديونهم التي اقترضوها من البنوك الأجنبية فاقتراض دولتنا من البنوك الأجنبية لأجل سد ديون هؤلاء الأغنياء المترفين بلا شك ظلم وإجحاف في حقوق الشعب عموما وبحقوق الفقراء خصوصا وامتصاص لدمائهم واستلاب لأموالهم وجناية كبرى وخيانة عظمى وبالأولى جباية الزكاة من أرباب الأموال لأجل هذا الغرض الخبيث . ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . آمين .
وكذلك من أكبر الظلم والخيانة صرف أموال الدولة لإقامة المهرجانات والحفلات التي تبذر فيها تبذيرا وتصرف للمعاصي وأهلها ولتكريم الفسوقات وعيالها ورجالها. أعاذني الله وإخواني المؤمنين من أمثالها . آمين .
ومن تعاليم الإسلام على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم : "(لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)" أي لقوي مكتسب . واختلف العلماء في معنى ومفهوم الغنى المانع من الزكاة, فعند أئمة الحديث كالثوري وابن راهويه وابن المبارك هو أن يملك ربع نصاب النقد, وعند الحنفية هو أن يملك من المال قدر نصابه أو ما يفضل عن حاجته فيما لا تجب فيه الزكاة كالثياب والفرس والأدوات والكتب والدور والحوانيت والدواب التي يقصد بها الاستعمال والاقتناء لا التجارة, وعند الشافعية والمالكية والحنبلية أن الغنى هو ما تحصل به الكفاية وليس له قدر محدد .
فمن روائع تعاليم ديننا الإسلام أن يمنع القوي المكتسب أي القادر على الكسب الحلال اللائق الكافي من الزكاة بخلاف العاجز الضعيف أو القادر الذي لم يجد بابا حلالا للكسب يليق به أو وجده ولكن كان دخله من كسبه لا يكفيه وعائلته أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها فهؤلاء يحل لهم الأخذ من الزكاة بقدر حاجاتهم وهذا بخلاف مبدأ الماديين القائلين : "من لا يعمل لا يأكل" فإنه مبدأ غير إنساني وغير أخلاقي بل وغير طبيعي فإن من الطيور والحيوانات أنواعا يحمل قويها ضعيفها ويقوم قادرها بعاجزها. أفلا يبلغ الإنسان مرتبة هذه العجماوات ؟.
(والمؤلفة قلوبهم) هم الذين كانت نيتهم وهمتهم في الإسلام ضعيفة وإن كانوا مسلمين, لكنهم تحت سيطرة وتهديد الكفار الذين بجوارهم أو مواجهون للحركات التنصيرية ونحوها .
والمراد بـــ (في الرقاب) هو مساعدة المكاتبين لتخليصهم من رقّ العبودية أو معاونة الأساري المسلمين لتخليصهم من الأسر تحت أيدي الكافرين .
والمراد بــ (الغارمين) نوعان : من استدان لمصلحة نفسه كنفقة أو كسوة أو زواج أو علاج مرض أو بناء مسكن أو شراء أثاث أو تزويج ولد أو أتلف شيئا على غيره خطأ أو سهوا أو نحو ذلك . فعن مجاهد قال : ثلاثة من الغارمين رجل ذهب السيل بماله, ورجل أصابه حريق فذهب بماله, ورجل له عيال وليس له مال فهو يدّان وينفق على عياله .
وشروط الغارم أن يكون محتاجا إلى سداد دينه وليس عنده ما يفي في ذلك وأن يستدين في طاعة أو أمر مباح لا في معصية وأن يكون الدين حالا .
والنوع الثاني من الغارمين الذين يقومون بإصلاح ذات البين أو يقومون بعمل مشروع اجتماعي نافع للأمة كمؤسسة خيرية للأيتام أو مستشفي لعلاج الفقراء أو مسجد لإقامة الصلاة أو مدرسة لتعليم المسلين مجانا أو رخيصا في التكاليف المالية أو شبه ذلك من أعمال البر والاجتماعية الإسلامية .
وأما (في سبيل الله) فالمراد بهم المتطوعون بالجهاد في سبيل الله والمرابطون في الثغور الذين لا سهم لهم في ديوان المرتزقة أيام أن قامت الخلافة الإسلامية أو حينما أهينت شريعة الله ومقدسات الإسلام كالمساجد والمعاهد الإسلامية فقامت طائفة من المسلمين يقاومون المهينين المحاربين لله ورسوله فيستحق هؤلاء الطائفة المجاهدون الزكاة . وقيل : في سبيل الله عام لسبل الخير وطرق البر والتقوى كالمعلمين والمتعلمين للشريعة المحتسبين وبناء المساجد في الأماكن المحتاجة إليها وعمارتها وكذلك المدارس والمعاهد الإسلامية والمستشفيات لعلاج الفقراء ونحوها. وهذا القول خارج عن مذهب الشافعية لكنه أمر ضروري بالنسبة لعصرنا الحاضر الذي اشتدت فيه الأنشطة التنصيرية والدعايات العلمانية والأفكار الشيوعية أو الاشتراكية أو المادية الضالة بل أن بعض دعاتها هو الذي يقدسه إخواننا النهضيون ويمجدونه ويقاتلون في سبيله ويقلدونه أكبر التقليد مع أنه محلل للربا ونكاح المتعة والردة عن دين الإسلام والانتقال إلى مذهب الشيعة الروافض ومؤسس لجامعة  الأسيوية ومتعاون ومتصادق مع جزّاري المسلمين كالجنرال  كما ذكرنا في رسائلنا السابقة .
وقد أفتى بهذا القول الثاني الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق وهو من مشايخ سيدنا الوالد في الدراسة والتربية محمد علوي المالكي الحسني . والله أعلم بالصواب .
وأما (ابن السبيل) فهو الغريب المنقطع في السفر مطلقا أو المنشئ للسفر لمصلحة عامة يعود نفعها لجماعة المسلمين كمن يسافر للدعوة إلى الله ولبعثة علمية نافعة لأهل الإسلام .
الأموال التي تؤخذ منها الزكاة وقدر المخرج عنها
المنصوص في كتب المذهب الشافعي أن الأموال التي تؤخذ منها الزكاة ستة أنواع :
1 ). الذهب والفضة اللذان يبلغان نصابهما وهو عشرون مثقالا أو قدر 85 غراما, ومائتان درهما أو قدر 595 غراما. وهما نقدان جاريان في العصور الإسلامية الذهبية. قلت : وكذلك ما يقوم مقامهما في الثمنية مثل الأوراق المعروفة في هذا العصر الشحيح أهله الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "(إذا رأيت شحا مطاعا وهوي متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة)"( رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ). وستأتي أدلتنا على هذه المسألة بإذن الله.
2 ). النعم من الإبل والبقر والغنم ونصبها مذكورة في كتب الفقه .
3 ). الزروع من الأقوات الاختيارية إذا بلغت خمسة أوسق قدر ( 653 كغ ) وفيها نصف العشر إن سقيت بنضح وكلفة وثقل مؤنة وإلا ففيها العشر .
4 ). الثمار من شجر النخل والكرم كذلك .
5 ). الخارج من الأرض من معدن وركاز إذا بلغا نصاب النقدين وفي المعدن ربع العشر كالنقدين وفي الركاز الخمس .
6 ). عروض التجارة إذا بلغت نصاب النقد وفيها ربع العشر .
ودليل الأول قوله تعالى :  والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم  (التوبة: 34). ودليل الثاني قوله تعالى :  خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها  (التوبة: 103). ولا شك أن النعم خير أموال العرب . وقوله تعالى :  وفي أموالهم حق للسائل والمحروم (الذاريات: 19).وما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين أنهم كانوا يبعثون السعاة مرة في كل عام ليأخذوا صدقات المواشي . ودليل الثالث والرابع والخامس قوله تعالى : يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض  (البقرة: 267). وقوله تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده  (الأنعام: 141).وقوله صلى الله عليه وسلم : "(فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح نصف العشر)", وقوله صلى الله عليه وسلم : "( في الرقة إذا بلغت خمس أواق صدقة وفي الركاز الخمس)". وقوله صلى الله عليه وسلم : "( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)", ومما يدل على وجوب السادس ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب قال : "( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع )". وحديث أبى ذر قال صلى الله عليه وسلم: "( في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته)". وقوله تعالى :  وأنفقوا من طيبات ما كسبتم .عام شامل لجميع الإكساب الطيبة مثل الرواتب وأموال التجارة وسائر الأموال المستفادة وقد حصل الإجماع القولي والعملي من الصحابة والتابعين والسلف على وجوب أخذ الزكاة من عروض التجارة ومن ذلك :
ما رواه أبو عبيد في كتابه (الأموال) بسنده عن عبد القاري قال : كنت على بيت المال زمن عمر بن الخطاب فكان إذا خرج العطاء جمع أموال التجار ثم حسبها شاهدها وغائبها ثم أخذ الزكاة من شاهد المال على الشاهد والغائب . ورواه ابن حزم في المحلى وقال : إسناده صحيح وعن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال : مر بي عمر فقال : يا حماس أدّ زكاة مالك, فقلت: ما لي مال إلا جعاب وأدم, فقال : قوّمها قيمة ثم أدّ زكاتها . والجعاب جمع جعبة وهي ما يوضع فيه السهام ومحوها والأدم جمع أديم وهو الجلد . قال الإمام ابن قدامة في (المغني جـ: 3 /صـ: 35) تعقيبا على هذا الخبر : وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر أي لم ينكر هذا الحكم أحد من الصحابة فيكون إجماعا. وروى أبو عبيد في (الأموال صـ: 425) عن ابن عمر : ما كان من رقيق أو بزّ يراد به التجارة ففيه الزكاة . وروى البيهقي وابن حزم عنه قال : ليس في العروض زكاة إلا أن تكون لتجارة. قال ابن حزم : هو خبر صحيح. انظر (المحلي: جـ: 5/ صـ: 234) وروى أبو عبيد وجوب زكاة التجارة عن ابن عباس أيضا ( الأموال: صـ: 426 ).
قال القاضي ابن العربي المالكي : الزكاة واجبة في العروض من أربعة أدلة : الأول : قول الله عز وجل :  خذ من أموالهم صدقة  (التوبة: 103). وهذا عام في كل مال . والثاني : أن عمر بن عبد العزيز كتب بأخذ الزكاة من العروض والملأ الملأ والوقت الوقت بيد أنه استشار واستخار وحكم بذلك على الأمة وقضى به فارتفع الخلاف بحكمه . والثالث : أن عمر الأعلى قد أخذها قبله . صحيح من رواية أنس . الرابع : أن أبا داود ذكر عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعد للبيع. ولم يصح فيه خلاف عن السلف. إهـ. قال الخطابي : وزعم بعض المتأخرين من أهل الظاهر أن لا زكاة فيها وهو مسبوق بالإجماع .
وشروط وجوب الزكاة في الثروة التجارية نية التجارة أي قصد الربح مع ممارستها وعملها وهو البيع والشراء وكمال النصاب في آخر الحول عند الشافعي ومالك وقيل : باعتبار النصاب في جميع الحول وهو قول الثور وأحمد وإسحق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر وقيل : باعتبار النصاب في أول الحول وآخره فقط دون ما بينهما والنصاب هو ما يعادل قيمة 85 غراما من الذهب .
مسألة النقود الورقية
وقد أفتى بما ذكرناه من وجوب الزكاة في النقود الورقية كل من العلماء المتأخرين الشافعية والمالكية والحنفية , انظر ما ننقله من (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة) لتعرف أقوالهم ومستنداتها وهو ما يلي:
1). الشافعية قالوا : الورق النقدي التعامل به من قبيل الحوالة على البنك بقيمته فيملك قيمته دينا على البنك والبنك مليء مقر مستعد للدفع حاضر , ومتى كان المدين بهذه الأوصاف وجبت زكاة الدين في الحال. وعدم الإيجاب والقبول اللفظيين في الحوالة لا يبطلها حيث جرى العرف بذلك على أن بعض أئمة الشافعية قال : المراد بالإيجاب والقبول كل ما يشعر بالرضا من قول أو فعل والرضا هنا متحقق .
2). الحنفية قالوا : الأوراق المالية ـ البنكنوت ـ من قبيل الدين القوي إلا أنها يمكن صرفها فضة فورا فيجب فيها الزكاة فورا .
3). المالكية قالوا : أوراق البنكنوت وإن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها فضة فورا وتقوم مقام الذهب في التعامل فيجب فيها الزكاة بشروطها .
4). الحنابلة قالوا : لا تجب الزكاة الورق النقدي إلا إذا صرف ذهبا أو فضة ووجدت فيه شروط الزكاة.إهـ. (الفقه على المذاهب الأربعة جـ:1/ صـ :486).
وتأمل ما كتبه العلامة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق رحمه الله في رسالته (التبيان في زكاة الأثمان) إذ قال معقبا على تخريج زكاة الأوراق المالية على زكاة الدين المعروف عند الفقهاء القدامى المذكور آنفا في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة والمذكور في موهبة ذي الفضل جـ:4 صـ:29-30 ومعقبا على اعتبار هذه الأوراق سند دين ( صكاّ كالكمبيالة ) لا تجب تزكيتها إلا على من لا يشترط القبض في تزكية الدين إذا كان على مليء مقر . قال : ولا يخفي أن تخريج زكاة الأوراق المالية على زكاة الدين مع كونه مجحفا بحق الفقراء على غير ما ذهب إليه الشافعية مبني على اعتبار القيمة المضمونة بهذه الأوراق كدين حقيقيّ في ذمة شخص مدين وأن هذه الأوراق كمستندات ديون حقيقية . مع أن هناك فرقا بين هذه الأوراق وما هو مضمون بها وبين الدين الحقيقي وسنده المعروف عند الفقهاء فان الدين ما دام في ذمة المدين لا ينمو ولا ينتفع به ربه ولا يجري التعامل بسنده رسما ولذلك قيل بعدم وجوب زكاته لأنه ليس مالا حاضرا معدا للنماء بحيث ينتفع به ربه بخلاف قيمة هذه الأوراق فإنها نامية منتفع بها كما ينتفع بالأموال الحاضرة وكيف يقال أن هذه الأوراق من قبيل مستندات الديون ومستند الدين ما أخذ على المدين للتوثق وخشية الضياع لا لتنمية الدين في ذمة المدين ولا للتعامل به ؟ أو يقال لا تجب الزكاة فيها حتى يقبض بدلها نقدا ذهبا أو فضة مع أن عدم الزكاة في الدين كما علمت إنما هو لكونه ليس معدا للنماء ولا محفوظا بعينه في خزانة المدين ؟ والفقهاء إنما حكموا بعدم زكاة الدين ما دام في ذمة المدين حتى يقبضه المالك نظرا لهذه العلة واستثنى الشافعية دين الموسر إذا كان حالا فإنه يزكي قبل قبضه كالوديعة نظرا إلى أنه في حكم الحاضر المعد للنماء فلو فرض نماؤه كما في بدل الأوراق المالية لما كان هناك وجه لتوقف الزكاة على القبض ولما خالف في ذلك أحد من العلماء . فالحق أن هذا النوع من الدين نوع آخر مستحدث لا ينطبق عليه حقيقة الدين وشروطه المعروفة عند الفقهاء ولا يجري فيه الخلاف الذي جرى في زكاة الدين بل ينبغي أن يتفق على وجوب الزكاة فيه لما علمت أنه كالمال الحاضر . إلى أن قال……فتحصل أن الأوراق المالية يصح أن تزكى باعتبارات أربعة : (الأول) : باعتبار المال المضمون بها في ذمة البنك وأنه كمال حاضر مقبوض وإن لم يكن كالدين المعروف عند الفقهاء من كل وجه . (الثاني) : زكاتها باعتبار الأموال المحفوظة بخزانة البنك وعلى هذين الاعتبارين فالزكاة واجبة فيها اتفاقا . (الثالث) : زكاتها باعتبار قيمتها دينا في ذمة البنك فتزكى زكاة الدين الحالّ على مليء كما ذهب إليه الشافعية . (الرابع) : زكاتها باعتبار قيمتها الوضعية عند جريان الرسم بها في المعاملات واتفاق أهل الملة على اتخاذها أثمانا للمقومات وعلى ذلك فوجوب الزكاة فيها ثابت بالقياس كزكاة الفلوس والنحاس . إهـ
قال الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه (فقه الزكاة) : هذه الاعتبار الأخير هو الذي يجب أن يعول عليه في حكم النقود الورقية الإلزامية التي هي عمدة التبادل والتعامل الآن والتي لم يعد يشترط أن يقابلها رصيد معدني بالبنك ولا يلتزم البنك صرفها بذهب أو فضة وربما كان الخلاف في أمر هذه الأوراق مقبولا في بدء استعمالها وعدم اطمئنان الجمهور إليها شأن كل جديد. أما الآن فالوضع قد تغير تماما .لقد أصبحت هذه الأوراق النقدية تحقق داخل كل دولة ما تحققه المعدنية . وينظر المجتمع إليها نظرته إلى تلك . إنها تدفع مهرا فتستباح بها الفروج شرعا دون أي اعتراض . وتدفع ثمنا فتنقل ملكية السلعة إلى دافعها بلا جدال وتدفع أجرا للجهد البشري فلا يمتنع عامل أو موظف من أخذها جزاء على عمله . وتدفع دية في القتل العمد أو شبه العمد فتبرئ ذمة القاتل ويرضى أولياء المقتول وتسرق ويستحق سارقها عقوبة السرقة بلا مراء من أحد . وتدخر وتملك فيعد مالكها غنيا بقدر ما يملك منها فكلما كثرت في يده عظم غناه عند الناس وعند نفسه .
ومعنى هذا كله أن لها وظائف النقود الشرعية وأهميها ونظرة المجتمع إليها . فكيف يسوغ لنا أن نحرم الفقراء والمساكين وسائر المستحقين من الانتفاع بهذه النقود ووظائفها المتعددة الوفيرة ؟ أليس الناس كل الناس يسعون إلى تحصيلها جاهدين ؟ أليس ملاّكها يعدونها نعمة يجب أن تشكر ؟ أليس الفقراء يتطلعون إليها ويسيل لعابهم شوقا إليها ؟ أليس يفرحون بها إذا أعطوا القليل منها ؟ بلى والله . إهـ. (فقه الزكاة صـ : 274).
وبمثل ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة سنة 1402 هـ كما ثبت مثله في عبارات الفقه المنهجي للشيخ مصطفي البغا والشيخ مصطفي الخن في المسائل المختلفة وثبت أيضا نقله عن الشيخ إسماعيل بن زين اليمني المكي رحمه الله معللا ذلك بأن لا تتعطل فريضة الزكاة في هذا الزمان الذي صارت المعاملة فيه بين الناس في جميع أنحاء المعمورة بتلك العملة الورقية ولم يعد يوجد أهل قطر من الأقطار الآن يتعاملون بالدراهم والدنانير . إهـ ( بلغة الطلاب صـ : 205 ) .
وشروط وجوب الزكاة في الأوراق المالية هو ملك النصاب في جميع الحول واشترط الحنفية الفراغ من الدين الذي يستغرق النصاب وينقصه لأن الأوراق المالية من الأموال الباطنة مثل النقود وأموال التجارة فالدين فيها يمنع الزكاة عند جمهور الفقهاء كعطاء وسليمان بن يسار والحسن والنخعي والليث ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد واسحق وأبي ثور وأبي حنيفة وأصحابه ( أنظر المغني لابن قدامة جـ:3/ صـ:42-43). وأما الأموال الظاهرة الزروع والمواشي فعند أبي حنيفة أن الدين يمنع الزكاة فيها وعند غيره لا يمنع . والله أعلم . واشترط المحققون من فقهاء الحنفية أيضا في زكاة الأوراق المالية أن يكون النصاب فاضلا عن الحاجات الأصلية وتفسير الحاجة الأصلية هو كل ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقا كالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع الحر والبرد أو تقديرا كالدين وآلات الحرفة وأثاث المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهله فإن الجهل عندهم كالهلاك. قال تعالى :  ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو  (البقرة: 219) أي الفضل عن الحاجات الشخصية والعائلية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "( ابدأ بمن تعول )" .
زكاة المال المستفاد
المال المستفاد هو الذي يدخل في ملكية الشخص بعد أن لم يكن وهو يشمل الدخل المنتظم للإنسان من راتب أو أجر كما يشمل المكافآت والأرباح العارضة والهبات ونحوها وبعض هذا المال كالزرع والثمر والركاز والكنز والمعدن تجب الزكاة فيه عند استفادته إذا بلغ نصابا وهذا لا كلام فيه والكلام إنما هو فيما يملكه المسلم ويستفيده من الأموال التي يعتبر لها الحول إذا لم يكن من الأموال المستفادة المذكورة كالنقود وعروض التجارة والماشية وفي هذا تفصيل ذكره ابن قدامة في (المغني جـ:2/ صـ:617) في ثلاثة أقسام ؛
1 ). فإذا كان المال المستفاد نماء لمال عنده وجبت فيه الزكاة كربح مال التجارة ونتاج السائمة فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله فيعتبر حوله بحوله , قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافا لأنه تبع له من جنسه فأشبه النماء المتصل كزيادة قيمة عروض التجارة .
2 ). فإن كان المستفاد من غير جنس ما عنده بأن كان عنده نصاب من الإبل فاستفاد بقرا أو من الأنعام فاستفاد نقودا فهذا عند جمهور الفقهاء له حكم نفسه لا يضم إلى ما عنده في حول ولا نصاب بل إن كان نصابا استقبل له حولا وزكاه وإلا فلا شيء فيه وهذا قول جمهور العلماء وروى ابن قدامة عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية أن الزكاة تجب فيه حين استفاد قال أحمد عن غير واحد يزكيه حين يستفيده وروى بإسناده عن ابن مسعود قال كان عبد الله يعطينا أي العطاء ويزكيه وعن الأوزعى فيمن باع عبده أو داره انه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر يعلم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله.
3 ).وإن كان المال المستفاد من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل مثل أن يكون هذه أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول فيشتري أو يوهب له مائة فهذا لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول عند أحمد والشافعي وقال أبو حنيفة يضمه إلى ما عنده في الحول فيزكيهما جميعا عند تمام حول المال الذي كان عنده إلا أن يكون عوضا عن مال مزكى لأنه يضم إلى جنسه في النصاب فوجب ضمه في الحول كالنتاج ولأن إفراده بالحول يفضي إلى تشقيق الواجب (تجزئته ) في السائمة واختلاف أوقات الوجوب والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ثم يتكرر ذلك في كل حول ووقت , وهذا حرج مرفوع بقوله تعالى:  وما جعل عليكم في الدين من حرج  (الحج:78) وقد اعتبر الشرع ذلك بإيجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل وجعل الأوقاص (ما بين قدرين مفروضين ) في السائمة ,وضم الأرباح والنتاج إلى حول أصلها مقرونا بدفع هذه المفسدة فيدل على أنه علة لذلك فيجب تعدية الحكم إلى محل النزاع وقال مالك مثل قول أبي حنيفة في السائمة دفعا لتشقيص الواجب ومثل قول أحمد والشافعي في الأثمان أي النقود لعدم ذلك فيها . وقد رد صاحب المغني على الحنفية هنا بما لا نطيل به فالواقع أن مذهب الحنفية هنا أيسر في التطبيق وأبعد عن التعقيد ولهذا يرجح الشيخ يوسف القرضاوي الأخذ به .
الآثار في أن المال المستفاد يزكى عند حولان الحول
روى الترمذي من طريق عبد الرحمن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "(من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول)", ورواه من طريق يعقوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا عليه, قال الترمذي : وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف في الحديث ضعفه أحمد بن حنبل وعلي ابن منذر وغيرهما من أهل الحديث وهو كثير الغلط .إهـ. (الترمذي بشرح ابن العربي جـ3 /صـ : 125 – 126 ).
وصح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن أبا بكر الصديق كان لا يأخذ من مال الزكاة حتى يحول عليه الحول. وعن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت :لا يزكى حتى يحول عليه الحول تعني المال المستفاد . وعن علي ابن أبي طالب قال : من استفاد مالا فلا يزكيه حتى يحول عليه الحول . ومثله عن ابن عمر روى هذه الآثار بسندها ابن حزم في (المحلى جـ : 5 /صـ : 276 ) قال ابن حزم : روى ابن أبي شيبة وروى مالك في الموطأ : صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم . وممن روى عنه تعجيل الزكاة من المال المستفاد دون انتظار الحول ابن مسعود ومعاوية من الصحابة وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري من التابعين .(انظر المحلى جـ 6 /صـ : 83 -85 ).
قال الشيخ يوسف القرضاوي في (فقه الزكاة):الذي أختاره أن المال المستفاد كراتب الموظف وأجر العامل ودخل الطبيب والمهندس والمحامي وغيرهم من ذوي المهن الحرة وكإيراد رأس المال المستغلّ في غير التجارة كالسيارات والسفن والطائرات والمطابع والفنادق ودور اللهو ونحوها يشترط لوجوب الزكاة فيه مرور الحول بل يزكيه حين يقبضه.
ثم ذكر النقاط التالية من الأدلة نختصرها فيما يلي :
1 ). أن اشتراط الحول في كل مال حتى المال المستفاد منه ليس فيه إجماع ولا نص في مرتبة الصحيح أو الحسن الذي يؤخذ منه حكم شرعي عام للأمة وتقيد به النصوص المطلقة وهذا ما صرح به علماء الحديث ,وإنما صح ذلك من قول بعض الصحابة كما ذكرنا .
2 ). أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم اختلفوا في المال المستفاد فمنهم من اشترط له الحول ومنهم من لم يشترط وأوجب إخراج الزكاة منه حين يستفيده المسلم , وإذا اختلفوا لم يكن قول بعضهم أولى من بعض وردّ الأمر إلى النصوص الأخرى , وقواعد الإسلام العامة كما قال تعالى :  فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول  (النساء:59).
3 ). إن من لم يشترط الحول في المال المستفاد أقرب إلى عموم النصوص وإطلاقها ممن اشترط الحول إذ النصوص الموجبة للزكاة في القرآن والسنة جاءت عامة مطلقة وليس فيها اشتراط الحول مثل "هاتوا ربع عشر أموالكم " "في الرقة ربع العشر ". كما يؤيد ذلك عموم قوله تعالى :  يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم  . فقوله :  ما كسبتم  لفظ عام يشمل كل كسب من تجارة أو وظيفة أو مهنة . وقد استدل الفقهاء بها على زكاة التجارة فلا غر وان نستدل بها على زكاة كسب العمل والمهنة , وإذا كان الفقهاء قد اشترطوا الحول في زكاة التجارة فذلك لنزر الفصل بين أصل المال والربح المستفاد منه فقد يتحصل الربح يوما يوما ربما ساعة ساعة .بخلاف الرواتب ونحوها فإنها تأتي مستقلة ومقدرة .
4 ). وإذا كان عموم النصوص وإطلاقها سند من لم يشترط الحول في المال المستفاد فإن القياس الصحيح يؤيده كذلك قياس وجوب لزكاة في النقود ونحوها حين يستفيدها المسلم على وجوب الزكاة في الزرع والثمار عند الحصاد والجداد فإذا كنا نأخذ من الزارع ولو مستأجرا عشر زرعه وثمره أو نصف عشره فلماذا لا نأخذه من الموظف أو الطبيب مثلا ربع عشر كسبه ؟ وقد قرن الله بين ما كسبه المسلم وما أخرجه الله من الأرض في أية واحدة فقال :  يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض  (البقرة:267). فلماذا نفرق بين أمرين نظمها الله في عقد واحد وكلاهما من رزق الله وإنعام الله؟.
5 ). إن القول باشتراط الحول في المال المستفاد انتهى إلى تناقض خلي يأباه عـــــدل الإسلام وحكمته في
فرض الزكاة .من ذلك أن الفلاح الذي يزرع أرضا مستأجرة يؤخذ منه على المفتى به في المذاهب السائدة 10 % أو 5 % من غلة الأرض إذا بلغت 653 كغ بمجرد حصاد الزرع وتصفية الخارج . أما مالك الأرض نفسه الذي قد يقبض في ساعة واحدة مائات الدنانير أو آلافها من كراء هذه الأرض فلا يؤخذ منه شيء على المفتى به في المذاهب السائدة أيضا لأنهم يشترطون أن يحول الحول على هذه المائات أو الآلاف في يده وقلما يكون .وكذلك الطبيب والمهندس والمحامي وصاحب سيارات النقل أو صاحب الفندق إلى آخره وما أدى إلى هذا التناقص إلا التقديس لأقوال فقهية غير معصومة , انتهى إليها اجتهاد علماء يؤخذ من كلامهم ويترك وما يدرينا أنهم لو أدركوا هذا العصر وشهدوا ما شهدنا لغيروا اجتهادهم في كثير من المسائل ؟ كما هو معلوم من سير الأئمة رضي الله عنهم .
6 ). أن تزكية المال المستفاد عقب استفادته ومنه الرواتب والأجور وإيراد رؤوس الأموال غير التجارية وما في حكمها وإيراد ذوي المهن الحرة أنفع للفقراء والمستحقين حيث يمكن أن تأتي بحصيلة ضخمة لبيت مال الزكاة مع سهولة التحصيل للحكومة وسهولة دفع الزكاة على المموّل وذلك بأخذها من رواتب الموظفين والعمال في الحكومة والمؤسسات عن طريق ما يسميه علماء الضريبة (الحجز في المنبع)على نحو ما كان يفعل ابن مسعود ومعاوية وعمر بن عبد العزيز رصي الله عنهم من اقتطاع الزكاة من العطاء إذا أعطوه وكلمة العطاء تعني رواتب الجند ومن في حكمهم في ذاك العهد . قال أبو الوليد الباجي : العطاء في الشرع واقع على ما يعطيه الإمام للناس من بيت المال على سبيل الأرزاق " الرواتب". روى ابن أبي شيبة عن هبيرة قال : كان ابن مسعود يزكي أعطيا تهم من كل ألف خمسة وعشرين .
ورواه الطبراني عنه أيضا وعن عون عن محمد قال : رأيت الأمراء إذا أعطوا العطاء زكّوه . وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يزكي العطاء والجائزة . وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب أنه قال : أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان . ويظهر أنه يريد أول من أخذ من الخلفاء وقد أخذ قبله عبد الله بن مسعود كما ذكرنا .
7 ).أن إيجاب الزكاة في تلك الدخول المستفادة يتفق وهدى الإسلام في غرس معاني البر والبذل والمواساة والإعطاء في نفس المسلم والإحساس بالمجتمع والمشاركة في احتمال أعبائه وجعل ذلك فضيلة دائمة له وعنصرا أساسيا من عناصر شخصيته . قال تعالى في أوصاف المتقين:  ومما رزقناهم ينفقون .
وقال سبحانه :  يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم  . ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم صدقة من ماله أو من كسبه وعمله أو مما يستطيع . روى البخاري عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : على كل مسلم صدقة فقالوا : يا نبي الله فمن لم يجد ؟ قال : يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق, قالوا : فان لم يجد, قال : يعين ذا الحاجة الملهوف, قالوا : فإن لم يستطع ؟, قال : فليعمل ( وفي رواية فليأمر ) بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة .
والخلاصة أنني الفقير إلى عفو الله محمد نجيح أوافق ترجيح شيخ الشيخ محمد محفوظ الترمسي رحمهما الله وجوب الزكاة في الأوراق المالية لكن بعلة أنها صارت أثمانا معتبرة قائمة مقام الذهب والفضة كانت في الزمان الماضي متضمنة لقيم النقدين أو أحدهما فهذا التضمن كان موجودا واقعا ثم زالت هذه الحالة وبقي وصف الثمنية موجودا في الأوراق المالية وأيضا أن علة جريان الربا في الذهب والفضة الثمنية التي هي من جملة أنواع النماء وقد حصلت الثقة بالأوراق المالية كوسيط في التداول والتبادل فتجري فيها أحكام النقدين تماما في الربا والزكاة والقراض وكونها رأس مال في السلم والشركات ونحوها قال الشيخ محمد نووي البنتني في كتابه التوشيح على فتح القريب : [ ولا يبيع الوكيل بالفلوس وان راجت رواج النقود ] وهذا مبني على أن المراد بالنقود ما كان من الذهب والفضة خاصة والمعتمد أن المراد به ما يتعامل به في البلد عادة فيشمل الفلوس والقرطاس اللذين جرت العادة بالمعاملة بهما . إهـ (قوت الحبيب؛ صـ : 155 ).
وكذلك أنا موافق لترجيح واختيار الشيخ يوسف القرضاوي وجوب الزكاة في المال المستفاد كالرواتب وأجور العمال ودخل الطبيب والمهندس والمحامى ونحوهم من ذوي المهن الحرة وكغلة العمارات المؤجرة والمصانع والسفن والطيارات والسيارات المستأجرة لعلل ثلاث :
1). إن الله أوجب في كل مال حقا معلوما أو زكاة أو صدقة لقوله تعالى :  والذين في أموالهم حق معلوم  وقوله تعالى:  خذ من أموالهم صدقة . وقوله صلى الله عليه وسلم: "( أدوا زكاة أموالكم )" من غير فصل بين مال ومال . وقد رد ابن العربي على الظاهرية الذي نفوا وجوب الزكاة في عروض التجارة لعدم ورود حديث صحيح فيها فقال : قول الله عز وجل :  خذ من أموالهم صدقة  عام في كل مال على اختلاف أصنافه وتباين أسمائه واختلاف أغراضه فمن أراد أن يخصه في شئ فعليه الدليل.
2). إن علة وجوب الزكاة في المال معقولة وهي النماء كما نص الفقهاء الذين يعللون الأحكام ويعملون بالقياس وهم كافة فقهاء الأمة ما عدا حفنة قليلة من الظاهرية والمعتزلة والشيعة . ومن هنا لم تجب الزكاة في دور السكنى وثياب البذلة وحلي الجواهر وآلات الحرفة وخيل الجهاد بالإجماع وكان القول الصحيح سقوط الزكاة عن العوامل من الإبل والبقر وعن حلي النساء المستعملة المعتادة وعن كل مال لا ينمو بطبيعته أو بعمل الإنسان . وإذا كان النماء هو العلة في وجوب الزكاة فإن الحكم يدور معه وجودا وعدما فحيث تحقق النماء في مال وجبت فيه الزكاة وإلا فلا .
3). إن حكمة تشريع الزكاة وهي التزكية والتطهير لأرباب الأموال أنفسهم والمواساة لذوي الحاجة والإسهام في حماية دين الإسلام ودولته ونشر دعوته تجعل إيجاب الزكاة هو الأولى والأحوط لأرباب المال أنفسهم حتى يتزكوا ويتطهروا وللفقراء والمحتاجين حتى يستغنوا ويتحرروا وللإسلام دينا ودولة حتى تقوى شوكته وتعلو كلمته . وقد قال الكاساني في دلالة العقل على فرضية العشر فيما خرج من الأرض : إن إخراج العشر إلى الفقير من باب شكر النّعمة وإقدار العاجز وتقويته على القيام بالفرائض ومن باب تطهير النفس من الشح ومن الذنوب وتزكيتها بالبذل والإنفاق وكل ذلك لازم عقلا وشرعا .إهـ. (منقولا من فقه الزكاة؛ صـ :462-460 ).
والحاصل أن في وقت وجوب إخراج الزكاة في هذه الأموال المستفادة خلافا , فعند الجمهور يجب بمضي الحول وعند أهل الحديث كابن حزم والشوكاني والمتأخرين من العلماء المعاصرين كالشيخ يوسف القرضاوي يجب أداء زكاتها بمجرد قبضها يوم استلامها وهذا بلا شك أنفع للفقراء والمساكين وأحوط للمالك المستفيد وأنا الفقير قائل بالتخيير بين القولين توسعة للعباد في هذا الأمر فالمهم عندنا أداءها والوقت أمر ثانويّ راجع إلى سخاوة النفوس وطمأنينة القلوب وتيسر الظروف والأحوال , ففي رحمة الأمة في اختلاف الأئمة للإمام محمد بن عبد الرحمن الشافعي ما نصه:
( فصل ) والحول شرط في وجوب الزكاة بالإجماع وحكي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا بوجوبها حين الملك ثم إذا حال الحول وجبت مرة ثانية وأن ابن مسعود إذا أخذ عطاء زكاه .اهـ (صـ :74 /ط : ماليزيا) . والله أعلم . وفي رأيي ونظري أن الموظّفين والعمال هم أجراء على أعمالهم وأن الإجارة نوع من التجارة لأن المال كما قال ابن حجر في (تحفته جـ : 3 /ص : 296 ) ينقسم إلى عين ومنفعة فالموظّف عندي استعمل منفعة بدنه ( ويصح أن يقال : قلّب منفعة بدنه واتجر فيها ) لأجل الأجرة التي هي الربح ويدل على قولي أن الموظف أجير نصّ فقهاءنا الشافعية أن عامل الزكاة أجير يستحق أجرة المثل من الزكاة . فهل يلزمني أن أحكم أو أفتي بصحة الإجارة مع قول العلماء انها إجارة ؟ وهل لا أكتفي بنصهم وقولهم هذا ؟ أو ليس لعلمائنا الشافعية عقود تسمى قرضا حكميا وإجارة حكما ولهم قاعدة هل العبرة في العقود بصيغها أم بمعانيها ؟ وأما اشتراط قصد التنمية فأنا لا أقول به وانما أقول بعنصر النماء أي يشترط في الزكاة أن تكون الأموال نامية بالفعل أو بالقوة فيكفي أن تكون قابلة للنماء . وهذه الأجور والرواتب بلا شك قابلة للنماء والربح والتبادل والتداول بل هي عين الربح فيما زاد على الحاجات وقد ذكرنا أن من شروط الزكاة في المال المستفاد بل في جميع الأموال الزكوية أن تكون زائدة على الضرورات والحاجات وفاضلة عن وفاء الدين المانع من الوجوب في قول أكثر العلماء . والله أعلم . فإذا بلغت أجور العمال ورواتب الموظفين نصابا في آخر الحول وجبت الزكاة فيها فيما زاد على قدر الحاجات اللازمة. والبلية كل البلية أنني لم أجد عبارة صريحة من كتب علمائنا الشافعية تؤيد فهمي ورأيي هذا لكني أحمد الله تعالى أن تفضل وامتنّ عليّ بأن أتمسك بظاهر قوله تعالى :  وأنفقوا من طيبات ما كسبتم  وهذه الرواتب والأجور بلا شك من أرباح المكاسب ومن الطيبات إذا كان العمل حلالا غير مخالف لشرع الله وربحية هذا الكسب بلا شك تفضل ربح التجارات في غالب الأحوال . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الكسب أطيب , قال : "(عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)" فالعمل مقدم على البيع فإذا وجبت الزكاة في البيع أي عروضه فبالأولى أرباح الأعمال .
قال مالك : ومن آجر نفسه فإن إجارته أيضا فائدة لا يجب فيه عليها الزكاة حتى تقبضه ويحول عليه الحول من يوم تقبضه وما فضل بيد المكاتب بعد عتقه من ماله فهو مثله لا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول من بعد عتقه .إهـ. (المدونة الكبرى : جـ:1/صـ:231 ). وفي حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لسيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال (جـ:3/صـ:94 )ما نصه : فأما الثمن في البيع قبل القبض والأجرة في الإجارة قبل استقرارها فقد ذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله تعالى : أن الزكاة تجب فيها قولا واحدا وفي إخراجها في الحال قولان وحكى القاضي أبوا الطيّب رحمه الله أن القولين في وجوب الزكاة فيها فإذا آجر دارا أربع سنين بمائة دينار فالأجرة حالّة وهل يجب إخراج الزكاة عن جميع الأجرة فيه قولان نصّ في البويطي أنه يزكي الجميع . وقال في الأمّ ونقله المزني أنه يخرج زكاة ما استقر ملكه عليه . وقد اتفقنا نحن الإخوان من أهل رابطة علماء الكعبة بجاوي الوسطى في سماراع ليلة الثلاثاء 28 ذو الحجة 1422 هـ . أن رواتب الموظفين وكسب العمل والمهن تحب فيها الزكاة إذا قبضت وبلغت نصابا وحال عليها الحول من باب الزكاة النقود الورقية المقيسة على الذهب والفضة أو إذا اتجر فيها مع النية وبلغت نصابا آخر الحول من باب زكاة التجارة اعتمادا على ما في الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي ونصه : وسئل رضي الله عنه عمن أكرى مزرعا لأحد على أن له شيئا معلوما من الغلة كل سنة فهل يجب عليه إذا أخذ تلك الأجرة أن يؤدي زكاتها إذا بلغت نصابا أو لا وإذا كانت الأجرة درهما أو دينارا ماذا حكمها ؟ فأجابها بقوله : لا يلزمه زكاة الأجرة إذا كانت حبّا إلاّ إذا كان للتجارة ووجدت فيه شروطها أو نقدا إلاّ إن مضى عليه حول من حين ملكها وهي نصاب . والله أعلم .
الفوارق الأساسية بين الزكاة والضرائب
وفي ختام البحث أنقل لكم وأسوق إليكم كلام الشيخ ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الزواجر حينما رد على من زعم أن المكس والضريبة محسوبان من الزكاة :
واعلم أن بعض فسقة التجار يظن أن ما يؤخذ من المكس يحسب عنه إذا نوى به الزكاة وهذا ظن باطل لا مستند له في مذهب الشافعي لأن الإمام لم ينصب المكاسين لقبض الزكاة ممن تجب عليه دون غيره وإنما نصبهم لأخذ عشور أي مال وجدوه قلّ أو كثر وجب فيه الزكاة أو لا . وزعم أنه إنما أمر بأخذ ذلك ليصرفه على الجند في مصالح المسلمين لا يفيد فيما نحن فيه لأنا لو سلمنا أن ذلك سائغ بشرطه وهو أن لا يكون في بيت المال شيء واضطر الإمام إلى الأخذ من مال الأغنياء لكان أخذه غير مسقط للزكاة أيضا لأنه لم يأخذه باسمها . والمكسة وأعوانهم عزّ من تجد فيهم مستحقا للزكاة لأنهم كلهم لهم قدرة على صنعة وكسب ولهم قوة وتجبر لو صرفوه في تحصيل مؤنتهم من كسب حلال لاستغنوا به عن هذه الفاحشة القبيحة . وقد جعل العلماء المكاسين من جملة اللصوص وقطاع الطريق بل أشر وأقبح ولو أخذ منك قطاع الطريق مالا فنويت به الزكاة فهل ينفع ذلك مطلقا ؟ فكما أن ذاك لا ينفعك ولا يجديك شيئا فأجدر هذا . ولقد شنّع العلماء على بعض الجهال الزاعمين أن الدفع إلى المكاسين بنية الزكاة يجديهم وأطالوا في رد هذه المقالة وتسفيهها وأن قائلها جاهل لا يرجع إليه ولا يعول عليه فتأمل ذلك واعمل به تغنم إن شاء الله تعالى . إهـ. (الزواجر عن اقتراف الكبائر جـ :1 /صـ : 149 ).
ويتحدث الداعية الإسلامي الجليل السيد أبوا الحسن الندوي في كتابه " الأركان الأربعة " عن سمات الزكاة الإسلامية البارزة . فمن أبرزها وأعمقها في التأثير ما يقترن بهذه الفريضة من روح الإيمان والاحتساب وهي الروح التي تتجرد منها الضرائب الرسمية . ثم يعرض لسمة أخرى ذات أهمية ودلالة بالغة فيقول : والسمة الثانية البارزة التي تميز الزكاة عن سائر الجبايات والضرائب التي كانت تفرض في زمان الملوك والسلاطين وفي عهد الحكومات الشخصية أو في عصرنا الحاضر في الجمهوريات وحكومات الشعوب وتجعلها تختلف عنها اختلافا واضحا في البداية والنهاية وفي النتائج والآثار هي وضعها الشرعي الذي قرره الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظه المعجز الحكيم وتعبيره النبوي الدقيق الذي يعد من جوامع الكلم فقال : "(تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم )". فهي تؤخذ من الأغنياء الذين يستوفون شروط وجوبها ويملكون النصاب المعين المنصوص وتصرف في مصارف عينها الله تعالى في القرآن ولم يكلها إلى رأي مشرّع أو مقنّن أو حاكم أو عالم وهو قوله تعالى :  إنما الصدقات للفقراء 000الآية  . وتفضّل الشريعة وترجّح الأحاديث النبوية أن تصرف هذه الصدقات على فقراء البلد الذي تجبى فيه . وبالعكس من ذلك الجبايات والضرائب والمكوس التي تفرضها الحكومات اليوم فهي صورة مقبولة معكوسة للزكاة , فهذه الضرائب الصغيرة منها والضخمة تؤخذ من الفقراء وأوساط الناس وترد على الرؤساء والأغنياء والأقوياء أنها تجتمع بعرق جبين الفلاحين والعملة والتجار الذين يشتغلون ليل نهار في متاجرهم ودكاكينهم وتصرف هذه الأموال بسخاء بل بقسوة نادرة ووقاحة زائدة في استقبال رؤساء الجمهوريات الزائرين للبلاد وفي ولائمهم التي ولائم ألف ليلة وليلة الخيالية الأسطورية وفي المهرجانات التي يحتفل بها بين حين وحين وفي مآدب السفارات في البلاد الأجنبية التي تجري فيها الخمر جري الأنهار وفي بناء التماثيل وصور الأبطال والمنارات الشاهقة والقصور العوالي الفائقة وساحات الألعاب الرياضية وفي دور اللهو والمعاصي في أماكن السياحة وفي دعايات الحكومة التي تستنفد موارد الشعب وتمتصّ دماءه وتحول بين رجل الشعب وقوته . فما من حكومة شعبية ديموقراطية ولا من حكومة شيوعية أو اشتراكية إلا وهي تمتصّ دم الشعب كالإسفنج وتصبه في بحر الدعاية والرشاء السياسي والتلبيس الصحفي ومحاكمة المعارضين من المجرمين . إهـ. (الأركان الأربعة للشيخ أبي الحسن الندوي صـ : 120-122 ) بتصرف .
وبعد فهذه الكتابة مساهمة ومشاركة مني في إحياء فريضة الزكاة في بلادنا إندونيسيا التي وقعت في متاهات الضلال ومهاوي الفساد بحصول الكوارث الإيمانية والأخلاقية والأزمات السياسيات والاقتصادية فلا نجاة لها إلا بالاحتكام والرجوع إلى الشريعة الإسلامية وتطبيقها .
فالله يوفّق حكامها وشعوبها إلى هذا السبيل الأقوم والمنهاج الأسلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
كتبه الفقير إلى عفو ربه
محمد نجيح بن ميمون بالمعهد الديني الأنوار سارانغ رمبانغ
ليلة الخميس 17 ذي القعدة 1422 هـ .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي قرن في محكم كتابه بين الصلاة وبين زكاة الأموال الفاضلة وفي مواضع منه عبر تعالى عنها بالإنفاق والصدقة فريضة ونافلة ,أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة نكون بها من زمرة أهل الحق العادلة وأن محمدا عبده ورسوله وحبيبه وخليله خير الصالحين العابدين له. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا الكفار ومانعي الزكاة قتالا لا نظير له .
أما بعد : فإن الزكاة مقامها في الدين أنها قرينة الصلاة وتاليتها في الفضل والفريضة قال تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة وقال تعالى:  كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين . الآيات.(المدثر:38-44). وقال جلّ شأنه في وصف المشركين :  و أولئك هم المعتدون فان تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون  (التوبة : 10-11). وقال سبحانه وتعالى في هؤلاء المشركين أيضا : فان تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) إلى آخر الأدلة الدالة على أنها ركن من أركان هذا الدين معلوم وجوبها من الدين بالضرورة يكفر جاحد وجوبها ويكون من جملة المرتدين ويقاتل مانعوها كما هو ظاهر الحديث المذكور في الأعلى وعمل به الصحابة في عهد أبي بكر الصديق القائل : "والله لنقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة والله لو منعوا عناقا أو عقالا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها". وحيث كان شأنها ما ذكرنا وأن تقسيمها من وظائف الدولة المسلمة وأعمالها الهامة وجب على العلماء ورثة الأنبياء في كل عصر وفي كل مكان بيان وجوبها وبيان مصارفها الثمانية المنصوصة في القرآن وبيان ما نؤخذ منه وقدر المخرج عنها وبيان حكمها وفوائدها الدينية والدنيوية .
مصارف الزكاة
أما المصارف الثمانية فمعلومة من قوله تعالى :  إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم. (التوبة : 60).وحدود هؤلاء الثمانية وتعاريفهم مذكورة في كتب الفقه والفروع . ومعلوم أن الفقير أشد حاجة من المسكين لاستعاذة النبي صلى الله عليه وسلم بالله من وصف الفقر في قوله صلى الله عليه وسلم : "(كاد الفقر أن يكون كفرا)", وقوله صلى الله عليه وسلم : "(اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر)", وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : "(اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين)".فـ (المسكين): هو الذي له مال له يسد مسدا من كفايته ولا تتم به. (والفقير): من ليس له مال أصلا أو له مال لا يسد مسدا من كفايته فضلا أي يكون له قدر حاجته وكفايته , وهذا عند الشافعية والحنابلة, بخلاف الحنفية فبالعكس. وقال الطبري : الفقير هو المتعفف عن السؤال والمسكين هو الطوّاف المتعرض للسؤال , والله أعلم . (والعاملون على الزكاة) هم الذين نصبهم رئيس الدولة المسلمة للسعي في أخذها وجباية أموال الزكاة وكتابتها وحفظها وتقسيمها بين مستحقيها وشرطهم الإسلام والبلوغ والعقل وفقه أحكام الزكاة .
وبالأسف الشديد أن حكومتنا الإندونيسية مع أنها أعظم بلاد المسلمين وأكثر الدول سكانا مسلمين ليس لها عناية واهتمام بأمر الزكاة إلا في الآونة الأخيرة في أيام أزماتها الاقتصادية العصيبة, وبالأسف الأشد صرح بعض رؤسائها بإرادة الحكومة للعناية بأخذ الزكاة لسد ديونها الباهظة وهذا التصريح يدل على ضعف إيمان أكثرية مسلمي بلادنا خصوصا هؤلاء الرؤساء فهم يمتنعون من إقامة الشريعة الإسلامية إلا في أوقات حاجاتها وضروراتها السياسية والاقتصادية يأبون الجهاد في سبيل الله إلا إذا دهمهم العدو بغتة واستولى على أراضيهم الأعداء فعندها يستنفرون المسلمين باسم الجهاد في سبيل الله كما وقع ذلك أوائل أيام سوكارنا حتى قام الجهاد في سورابايا بصرخة بوع تاما وإخوانه بكلمة (الله أكبر) فلما تم لهم المقصود من إرجاع الأعداء لم يلتفتوا إلى الشريعة بالمرة بل عادوا طوائف المسلمين المكافحين في سبيل تقنين الشريعة في بلادنا كحزب ماشومي ( مجلس شوري مسلمي إندونيسيا) الذي قررت حكومة سوكارنا حله ونقضه وكذلك حل المجلس التأسيسي للبلاد بعد ما خاف سوكارنا وإخوانه أن يصير ميثاق جاكرتا المبني على الشريعة أساسا لقوانين البلاد اللهم اهد قومي لإقامة شرعك فإنهم لا يعلمون أنه الحق المبين وأن ما سواه باطل وكفر وإلحاد وفسوق وعصيان .آمين.
وقد ازدادت الآن في بلادنا نسبة الشعب المنكوبين من الفقراء والمساكين فوجب شرعا وعقلا على الدولة المسلمة كدولتنا باعتبار شعوبها المسلمين تنفيذ وإقامة فريضة الزكاة امتثالا لأمر الله واتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين ورحمة لإخواننا هؤلاء الضعفاء المجهودين من الغارمين والفقراء والمساكين لا محاباة ومجاملة لأصحاب الثروات العظيمة أصحاب المصانع والمؤسسات الكبيرة المتهاونين والمتباطئين في دفع واجباتهم من أداء الديون الحالة على كواهلهم وإعطاء الضرائب الحكومية المضروبة عليهم وسد ديونهم التي اقترضوها من البنوك الأجنبية فاقتراض دولتنا من البنوك الأجنبية لأجل سد ديون هؤلاء الأغنياء المترفين بلا شك ظلم وإجحاف في حقوق الشعب عموما وبحقوق الفقراء خصوصا وامتصاص لدمائهم واستلاب لأموالهم وجناية كبرى وخيانة عظمى وبالأولى جباية الزكاة من أرباب الأموال لأجل هذا الغرض الخبيث . ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين . آمين .
وكذلك من أكبر الظلم والخيانة صرف أموال الدولة لإقامة المهرجانات والحفلات التي تبذر فيها تبذيرا وتصرف للمعاصي وأهلها ولتكريم الفسوقات وعيالها ورجالها. أعاذني الله وإخواني المؤمنين من أمثالها . آمين .
ومن تعاليم الإسلام على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم : "(لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي)" أي لقوي مكتسب . واختلف العلماء في معنى ومفهوم الغنى المانع من الزكاة, فعند أئمة الحديث كالثوري وابن راهويه وابن المبارك هو أن يملك ربع نصاب النقد, وعند الحنفية هو أن يملك من المال قدر نصابه أو ما يفضل عن حاجته فيما لا تجب فيه الزكاة كالثياب والفرس والأدوات والكتب والدور والحوانيت والدواب التي يقصد بها الاستعمال والاقتناء لا التجارة, وعند الشافعية والمالكية والحنبلية أن الغنى هو ما تحصل به الكفاية وليس له قدر محدد .
فمن روائع تعاليم ديننا الإسلام أن يمنع القوي المكتسب أي القادر على الكسب الحلال اللائق الكافي من الزكاة بخلاف العاجز الضعيف أو القادر الذي لم يجد بابا حلالا للكسب يليق به أو وجده ولكن كان دخله من كسبه لا يكفيه وعائلته أو يكفيه بعض الكفاية دون تمامها فهؤلاء يحل لهم الأخذ من الزكاة بقدر حاجاتهم وهذا بخلاف مبدأ الماديين القائلين : "من لا يعمل لا يأكل" فإنه مبدأ غير إنساني وغير أخلاقي بل وغير طبيعي فإن من الطيور والحيوانات أنواعا يحمل قويها ضعيفها ويقوم قادرها بعاجزها. أفلا يبلغ الإنسان مرتبة هذه العجماوات ؟.
(والمؤلفة قلوبهم) هم الذين كانت نيتهم وهمتهم في الإسلام ضعيفة وإن كانوا مسلمين, لكنهم تحت سيطرة وتهديد الكفار الذين بجوارهم أو مواجهون للحركات التنصيرية ونحوها .
والمراد بـــ (في الرقاب) هو مساعدة المكاتبين لتخليصهم من رقّ العبودية أو معاونة الأساري المسلمين لتخليصهم من الأسر تحت أيدي الكافرين .
والمراد بــ (الغارمين) نوعان : من استدان لمصلحة نفسه كنفقة أو كسوة أو زواج أو علاج مرض أو بناء مسكن أو شراء أثاث أو تزويج ولد أو أتلف شيئا على غيره خطأ أو سهوا أو نحو ذلك . فعن مجاهد قال : ثلاثة من الغارمين رجل ذهب السيل بماله, ورجل أصابه حريق فذهب بماله, ورجل له عيال وليس له مال فهو يدّان وينفق على عياله .
وشروط الغارم أن يكون محتاجا إلى سداد دينه وليس عنده ما يفي في ذلك وأن يستدين في طاعة أو أمر مباح لا في معصية وأن يكون الدين حالا .
والنوع الثاني من الغارمين الذين يقومون بإصلاح ذات البين أو يقومون بعمل مشروع اجتماعي نافع للأمة كمؤسسة خيرية للأيتام أو مستشفي لعلاج الفقراء أو مسجد لإقامة الصلاة أو مدرسة لتعليم المسلين مجانا أو رخيصا في التكاليف المالية أو شبه ذلك من أعمال البر والاجتماعية الإسلامية .
وأما (في سبيل الله) فالمراد بهم المتطوعون بالجهاد في سبيل الله والمرابطون في الثغور الذين لا سهم لهم في ديوان المرتزقة أيام أن قامت الخلافة الإسلامية أو حينما أهينت شريعة الله ومقدسات الإسلام كالمساجد والمعاهد الإسلامية فقامت طائفة من المسلمين يقاومون المهينين المحاربين لله ورسوله فيستحق هؤلاء الطائفة المجاهدون الزكاة . وقيل : في سبيل الله عام لسبل الخير وطرق البر والتقوى كالمعلمين والمتعلمين للشريعة المحتسبين وبناء المساجد في الأماكن المحتاجة إليها وعمارتها وكذلك المدارس والمعاهد الإسلامية والمستشفيات لعلاج الفقراء ونحوها. وهذا القول خارج عن مذهب الشافعية لكنه أمر ضروري بالنسبة لعصرنا الحاضر الذي اشتدت فيه الأنشطة التنصيرية والدعايات العلمانية والأفكار الشيوعية أو الاشتراكية أو المادية الضالة بل أن بعض دعاتها هو الذي يقدسه إخواننا النهضيون ويمجدونه ويقاتلون في سبيله ويقلدونه أكبر التقليد مع أنه محلل للربا ونكاح المتعة والردة عن دين الإسلام والانتقال إلى مذهب الشيعة الروافض ومؤسس لجامعة  الأسيوية ومتعاون ومتصادق مع جزّاري المسلمين كالجنرال  كما ذكرنا في رسائلنا السابقة .
وقد أفتى بهذا القول الثاني الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق وهو من مشايخ سيدنا الوالد في الدراسة والتربية محمد علوي المالكي الحسني . والله أعلم بالصواب .
وأما (ابن السبيل) فهو الغريب المنقطع في السفر مطلقا أو المنشئ للسفر لمصلحة عامة يعود نفعها لجماعة المسلمين كمن يسافر للدعوة إلى الله ولبعثة علمية نافعة لأهل الإسلام .
الأموال التي تؤخذ منها الزكاة وقدر المخرج عنها
المنصوص في كتب المذهب الشافعي أن الأموال التي تؤخذ منها الزكاة ستة أنواع :
1 ). الذهب والفضة اللذان يبلغان نصابهما وهو عشرون مثقالا أو قدر 85 غراما, ومائتان درهما أو قدر 595 غراما. وهما نقدان جاريان في العصور الإسلامية الذهبية. قلت : وكذلك ما يقوم مقامهما في الثمنية مثل الأوراق المعروفة في هذا العصر الشحيح أهله الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : "(إذا رأيت شحا مطاعا وهوي متبعا وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة)"( رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة ). وستأتي أدلتنا على هذه المسألة بإذن الله.
2 ). النعم من الإبل والبقر والغنم ونصبها مذكورة في كتب الفقه .
3 ). الزروع من الأقوات الاختيارية إذا بلغت خمسة أوسق قدر ( 653 كغ ) وفيها نصف العشر إن سقيت بنضح وكلفة وثقل مؤنة وإلا ففيها العشر .
4 ). الثمار من شجر النخل والكرم كذلك .
5 ). الخارج من الأرض من معدن وركاز إذا بلغا نصاب النقدين وفي المعدن ربع العشر كالنقدين وفي الركاز الخمس .
6 ). عروض التجارة إذا بلغت نصاب النقد وفيها ربع العشر .
ودليل الأول قوله تعالى :  والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم  (التوبة: 34). ودليل الثاني قوله تعالى :  خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها  (التوبة: 103). ولا شك أن النعم خير أموال العرب . وقوله تعالى :  وفي أموالهم حق للسائل والمحروم (الذاريات: 19).وما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين أنهم كانوا يبعثون السعاة مرة في كل عام ليأخذوا صدقات المواشي . ودليل الثالث والرابع والخامس قوله تعالى : يا أيها الذين أمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض  (البقرة: 267). وقوله تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده  (الأنعام: 141).وقوله صلى الله عليه وسلم : "(فيما سقت السماء العشر وفيما سقي بنضح نصف العشر)", وقوله صلى الله عليه وسلم : "( في الرقة إذا بلغت خمس أواق صدقة وفي الركاز الخمس)". وقوله صلى الله عليه وسلم : "( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة)", ومما يدل على وجوب السادس ما رواه أبو داود عن سمرة بن جندب قال : "( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نخرج الصدقة مما نعد للبيع )". وحديث أبى ذر قال صلى الله عليه وسلم: "( في الإبل صدقتها وفي الغنم صدقتها وفي البز صدقته)". وقوله تعالى :  وأنفقوا من طيبات ما كسبتم .عام شامل لجميع الإكساب الطيبة مثل الرواتب وأموال التجارة وسائر الأموال المستفادة وقد حصل الإجماع القولي والعملي من الصحابة والتابعين والسلف على وجوب أخذ الزكاة من عروض التجارة ومن ذلك :
ما رواه أبو عبيد في كتابه (الأموال) بسنده عن عبد القاري قال : كنت على بيت المال زمن عمر بن الخطاب فكان إذا خرج العطاء جمع أموال التجار ثم حسبها شاهدها وغائبها ثم أخذ الزكاة من شاهد المال على الشاهد والغائب . ورواه ابن حزم في المحلى وقال : إسناده صحيح وعن أبي عمرو بن حماس عن أبيه قال : مر بي عمر فقال : يا حماس أدّ زكاة مالك, فقلت: ما لي مال إلا جعاب وأدم, فقال : قوّمها قيمة ثم أدّ زكاتها . والجعاب جمع جعبة وهي ما يوضع فيه السهام ومحوها والأدم جمع أديم وهو الجلد . قال الإمام ابن قدامة في (المغني جـ: 3 /صـ: 35) تعقيبا على هذا الخبر : وهذه قصة يشتهر مثلها ولم تنكر أي لم ينكر هذا الحكم أحد من الصحابة فيكون إجماعا. وروى أبو عبيد في (الأموال صـ: 425) عن ابن عمر : ما كان من رقيق أو بزّ يراد به التجارة ففيه الزكاة . وروى البيهقي وابن حزم عنه قال : ليس في العروض زكاة إلا أن تكون لتجارة. قال ابن حزم : هو خبر صحيح. انظر (المحلي: جـ: 5/ صـ: 234) وروى أبو عبيد وجوب زكاة التجارة عن ابن عباس أيضا ( الأموال: صـ: 426 ).
قال القاضي ابن العربي المالكي : الزكاة واجبة في العروض من أربعة أدلة : الأول : قول الله عز وجل :  خذ من أموالهم صدقة  (التوبة: 103). وهذا عام في كل مال . والثاني : أن عمر بن عبد العزيز كتب بأخذ الزكاة من العروض والملأ الملأ والوقت الوقت بيد أنه استشار واستخار وحكم بذلك على الأمة وقضى به فارتفع الخلاف بحكمه . والثالث : أن عمر الأعلى قد أخذها قبله . صحيح من رواية أنس . الرابع : أن أبا داود ذكر عن سمرة بن جندب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نخرج الزكاة مما نعد للبيع. ولم يصح فيه خلاف عن السلف. إهـ. قال الخطابي : وزعم بعض المتأخرين من أهل الظاهر أن لا زكاة فيها وهو مسبوق بالإجماع .
وشروط وجوب الزكاة في الثروة التجارية نية التجارة أي قصد الربح مع ممارستها وعملها وهو البيع والشراء وكمال النصاب في آخر الحول عند الشافعي ومالك وقيل : باعتبار النصاب في جميع الحول وهو قول الثور وأحمد وإسحق وأبي عبيد وأبي ثور وابن المنذر وقيل : باعتبار النصاب في أول الحول وآخره فقط دون ما بينهما والنصاب هو ما يعادل قيمة 85 غراما من الذهب .
مسألة النقود الورقية
وقد أفتى بما ذكرناه من وجوب الزكاة في النقود الورقية كل من العلماء المتأخرين الشافعية والمالكية والحنفية , انظر ما ننقله من (كتاب الفقه على المذاهب الأربعة) لتعرف أقوالهم ومستنداتها وهو ما يلي:
1). الشافعية قالوا : الورق النقدي التعامل به من قبيل الحوالة على البنك بقيمته فيملك قيمته دينا على البنك والبنك مليء مقر مستعد للدفع حاضر , ومتى كان المدين بهذه الأوصاف وجبت زكاة الدين في الحال. وعدم الإيجاب والقبول اللفظيين في الحوالة لا يبطلها حيث جرى العرف بذلك على أن بعض أئمة الشافعية قال : المراد بالإيجاب والقبول كل ما يشعر بالرضا من قول أو فعل والرضا هنا متحقق .
2). الحنفية قالوا : الأوراق المالية ـ البنكنوت ـ من قبيل الدين القوي إلا أنها يمكن صرفها فضة فورا فيجب فيها الزكاة فورا .
3). المالكية قالوا : أوراق البنكنوت وإن كانت سندات دين إلا أنها يمكن صرفها فضة فورا وتقوم مقام الذهب في التعامل فيجب فيها الزكاة بشروطها .
4). الحنابلة قالوا : لا تجب الزكاة الورق النقدي إلا إذا صرف ذهبا أو فضة ووجدت فيه شروط الزكاة.إهـ. (الفقه على المذاهب الأربعة جـ:1/ صـ :486).
وتأمل ما كتبه العلامة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق رحمه الله في رسالته (التبيان في زكاة الأثمان) إذ قال معقبا على تخريج زكاة الأوراق المالية على زكاة الدين المعروف عند الفقهاء القدامى المذكور آنفا في كتاب الفقه على المذاهب الأربعة والمذكور في موهبة ذي الفضل جـ:4 صـ:29-30 ومعقبا على اعتبار هذه الأوراق سند دين ( صكاّ كالكمبيالة ) لا تجب تزكيتها إلا على من لا يشترط القبض في تزكية الدين إذا كان على مليء مقر . قال : ولا يخفي أن تخريج زكاة الأوراق المالية على زكاة الدين مع كونه مجحفا بحق الفقراء على غير ما ذهب إليه الشافعية مبني على اعتبار القيمة المضمونة بهذه الأوراق كدين حقيقيّ في ذمة شخص مدين وأن هذه الأوراق كمستندات ديون حقيقية . مع أن هناك فرقا بين هذه الأوراق وما هو مضمون بها وبين الدين الحقيقي وسنده المعروف عند الفقهاء فان الدين ما دام في ذمة المدين لا ينمو ولا ينتفع به ربه ولا يجري التعامل بسنده رسما ولذلك قيل بعدم وجوب زكاته لأنه ليس مالا حاضرا معدا للنماء بحيث ينتفع به ربه بخلاف قيمة هذه الأوراق فإنها نامية منتفع بها كما ينتفع بالأموال الحاضرة وكيف يقال أن هذه الأوراق من قبيل مستندات الديون ومستند الدين ما أخذ على المدين للتوثق وخشية الضياع لا لتنمية الدين في ذمة المدين ولا للتعامل به ؟ أو يقال لا تجب الزكاة فيها حتى يقبض بدلها نقدا ذهبا أو فضة مع أن عدم الزكاة في الدين كما علمت إنما هو لكونه ليس معدا للنماء ولا محفوظا بعينه في خزانة المدين ؟ والفقهاء إنما حكموا بعدم زكاة الدين ما دام في ذمة المدين حتى يقبضه المالك نظرا لهذه العلة واستثنى الشافعية دين الموسر إذا كان حالا فإنه يزكي قبل قبضه كالوديعة نظرا إلى أنه في حكم الحاضر المعد للنماء فلو فرض نماؤه كما في بدل الأوراق المالية لما كان هناك وجه لتوقف الزكاة على القبض ولما خالف في ذلك أحد من العلماء . فالحق أن هذا النوع من الدين نوع آخر مستحدث لا ينطبق عليه حقيقة الدين وشروطه المعروفة عند الفقهاء ولا يجري فيه الخلاف الذي جرى في زكاة الدين بل ينبغي أن يتفق على وجوب الزكاة فيه لما علمت أنه كالمال الحاضر . إلى أن قال……فتحصل أن الأوراق المالية يصح أن تزكى باعتبارات أربعة : (الأول) : باعتبار المال المضمون بها في ذمة البنك وأنه كمال حاضر مقبوض وإن لم يكن كالدين المعروف عند الفقهاء من كل وجه . (الثاني) : زكاتها باعتبار الأموال المحفوظة بخزانة البنك وعلى هذين الاعتبارين فالزكاة واجبة فيها اتفاقا . (الثالث) : زكاتها باعتبار قيمتها دينا في ذمة البنك فتزكى زكاة الدين الحالّ على مليء كما ذهب إليه الشافعية . (الرابع) : زكاتها باعتبار قيمتها الوضعية عند جريان الرسم بها في المعاملات واتفاق أهل الملة على اتخاذها أثمانا للمقومات وعلى ذلك فوجوب الزكاة فيها ثابت بالقياس كزكاة الفلوس والنحاس . إهـ
قال الشيخ يوسف القرضاوي في كتابه (فقه الزكاة) : هذه الاعتبار الأخير هو الذي يجب أن يعول عليه في حكم النقود الورقية الإلزامية التي هي عمدة التبادل والتعامل الآن والتي لم يعد يشترط أن يقابلها رصيد معدني بالبنك ولا يلتزم البنك صرفها بذهب أو فضة وربما كان الخلاف في أمر هذه الأوراق مقبولا في بدء استعمالها وعدم اطمئنان الجمهور إليها شأن كل جديد. أما الآن فالوضع قد تغير تماما .لقد أصبحت هذه الأوراق النقدية تحقق داخل كل دولة ما تحققه المعدنية . وينظر المجتمع إليها نظرته إلى تلك . إنها تدفع مهرا فتستباح بها الفروج شرعا دون أي اعتراض . وتدفع ثمنا فتنقل ملكية السلعة إلى دافعها بلا جدال وتدفع أجرا للجهد البشري فلا يمتنع عامل أو موظف من أخذها جزاء على عمله . وتدفع دية في القتل العمد أو شبه العمد فتبرئ ذمة القاتل ويرضى أولياء المقتول وتسرق ويستحق سارقها عقوبة السرقة بلا مراء من أحد . وتدخر وتملك فيعد مالكها غنيا بقدر ما يملك منها فكلما كثرت في يده عظم غناه عند الناس وعند نفسه .
ومعنى هذا كله أن لها وظائف النقود الشرعية وأهميها ونظرة المجتمع إليها . فكيف يسوغ لنا أن نحرم الفقراء والمساكين وسائر المستحقين من الانتفاع بهذه النقود ووظائفها المتعددة الوفيرة ؟ أليس الناس كل الناس يسعون إلى تحصيلها جاهدين ؟ أليس ملاّكها يعدونها نعمة يجب أن تشكر ؟ أليس الفقراء يتطلعون إليها ويسيل لعابهم شوقا إليها ؟ أليس يفرحون بها إذا أعطوا القليل منها ؟ بلى والله . إهـ. (فقه الزكاة صـ : 274).
وبمثل ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد في مكة سنة 1402 هـ كما ثبت مثله في عبارات الفقه المنهجي للشيخ مصطفي البغا والشيخ مصطفي الخن في المسائل المختلفة وثبت أيضا نقله عن الشيخ إسماعيل بن زين اليمني المكي رحمه الله معللا ذلك بأن لا تتعطل فريضة الزكاة في هذا الزمان الذي صارت المعاملة فيه بين الناس في جميع أنحاء المعمورة بتلك العملة الورقية ولم يعد يوجد أهل قطر من الأقطار الآن يتعاملون بالدراهم والدنانير . إهـ ( بلغة الطلاب صـ : 205 ) .
وشروط وجوب الزكاة في الأوراق المالية هو ملك النصاب في جميع الحول واشترط الحنفية الفراغ من الدين الذي يستغرق النصاب وينقصه لأن الأوراق المالية من الأموال الباطنة مثل النقود وأموال التجارة فالدين فيها يمنع الزكاة عند جمهور الفقهاء كعطاء وسليمان بن يسار والحسن والنخعي والليث ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد واسحق وأبي ثور وأبي حنيفة وأصحابه ( أنظر المغني لابن قدامة جـ:3/ صـ:42-43). وأما الأموال الظاهرة الزروع والمواشي فعند أبي حنيفة أن الدين يمنع الزكاة فيها وعند غيره لا يمنع . والله أعلم . واشترط المحققون من فقهاء الحنفية أيضا في زكاة الأوراق المالية أن يكون النصاب فاضلا عن الحاجات الأصلية وتفسير الحاجة الأصلية هو كل ما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقا كالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع الحر والبرد أو تقديرا كالدين وآلات الحرفة وأثاث المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهله فإن الجهل عندهم كالهلاك. قال تعالى :  ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو  (البقرة: 219) أي الفضل عن الحاجات الشخصية والعائلية وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "( ابدأ بمن تعول )" .
زكاة المال المستفاد
المال المستفاد هو الذي يدخل في ملكية الشخص بعد أن لم يكن وهو يشمل الدخل المنتظم للإنسان من راتب أو أجر كما يشمل المكافآت والأرباح العارضة والهبات ونحوها وبعض هذا المال كالزرع والثمر والركاز والكنز والمعدن تجب الزكاة فيه عند استفادته إذا بلغ نصابا وهذا لا كلام فيه والكلام إنما هو فيما يملكه المسلم ويستفيده من الأموال التي يعتبر لها الحول إذا لم يكن من الأموال المستفادة المذكورة كالنقود وعروض التجارة والماشية وفي هذا تفصيل ذكره ابن قدامة في (المغني جـ:2/ صـ:617) في ثلاثة أقسام ؛
1 ). فإذا كان المال المستفاد نماء لمال عنده وجبت فيه الزكاة كربح مال التجارة ونتاج السائمة فهذا يجب ضمه إلى ما عنده من أصله فيعتبر حوله بحوله , قال ابن قدامة : لا نعلم فيه خلافا لأنه تبع له من جنسه فأشبه النماء المتصل كزيادة قيمة عروض التجارة .
2 ). فإن كان المستفاد من غير جنس ما عنده بأن كان عنده نصاب من الإبل فاستفاد بقرا أو من الأنعام فاستفاد نقودا فهذا عند جمهور الفقهاء له حكم نفسه لا يضم إلى ما عنده في حول ولا نصاب بل إن كان نصابا استقبل له حولا وزكاه وإلا فلا شيء فيه وهذا قول جمهور العلماء وروى ابن قدامة عن ابن مسعود وابن عباس ومعاوية أن الزكاة تجب فيه حين استفاد قال أحمد عن غير واحد يزكيه حين يستفيده وروى بإسناده عن ابن مسعود قال كان عبد الله يعطينا أي العطاء ويزكيه وعن الأوزعى فيمن باع عبده أو داره انه يزكي الثمن حين يقع في يده إلا أن يكون له شهر يعلم فيؤخره حتى يزكيه مع ماله.
3 ).وإن كان المال المستفاد من جنس نصاب عنده قد انعقد عليه حول الزكاة بسبب مستقل مثل أن يكون هذه أربعون من الغنم مضى عليها بعض الحول فيشتري أو يوهب له مائة فهذا لا تجب فيه الزكاة حتى يمضي عليه حول عند أحمد والشافعي وقال أبو حنيفة يضمه إلى ما عنده في الحول فيزكيهما جميعا عند تمام حول المال الذي كان عنده إلا أن يكون عوضا عن مال مزكى لأنه يضم إلى جنسه في النصاب فوجب ضمه في الحول كالنتاج ولأن إفراده بالحول يفضي إلى تشقيق الواجب (تجزئته ) في السائمة واختلاف أوقات الوجوب والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك ومعرفة قدر الواجب في كل جزء ملكه ووجوب القدر اليسير الذي لا يتمكن من إخراجه ثم يتكرر ذلك في كل حول ووقت , وهذا حرج مرفوع بقوله تعالى:  وما جعل عليكم في الدين من حرج  (الحج:78) وقد اعتبر الشرع ذلك بإيجاب غير الجنس فيما دون خمس وعشرين من الإبل وجعل الأوقاص (ما بين قدرين مفروضين ) في السائمة ,وضم الأرباح والنتاج إلى حول أصلها مقرونا بدفع هذه المفسدة فيدل على أنه علة لذلك فيجب تعدية الحكم إلى محل النزاع وقال مالك مثل قول أبي حنيفة في السائمة دفعا لتشقيص الواجب ومثل قول أحمد والشافعي في الأثمان أي النقود لعدم ذلك فيها . وقد رد صاحب المغني على الحنفية هنا بما لا نطيل به فالواقع أن مذهب الحنفية هنا أيسر في التطبيق وأبعد عن التعقيد ولهذا يرجح الشيخ يوسف القرضاوي الأخذ به .
الآثار في أن المال المستفاد يزكى عند حولان الحول
روى الترمذي من طريق عبد الرحمن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "(من استفاد مالا فلا زكاة عليه حتى يحول عليه الحول)", ورواه من طريق يعقوب عن نافع عن ابن عمر موقوفا عليه, قال الترمذي : وهذا أصح من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف في الحديث ضعفه أحمد بن حنبل وعلي ابن منذر وغيرهما من أهل الحديث وهو كثير الغلط .إهـ. (الترمذي بشرح ابن العربي جـ3 /صـ : 125 – 126 ).
وصح عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق أن أبا بكر الصديق كان لا يأخذ من مال الزكاة حتى يحول عليه الحول. وعن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين قالت :لا يزكى حتى يحول عليه الحول تعني المال المستفاد . وعن علي ابن أبي طالب قال : من استفاد مالا فلا يزكيه حتى يحول عليه الحول . ومثله عن ابن عمر روى هذه الآثار بسندها ابن حزم في (المحلى جـ : 5 /صـ : 276 ) قال ابن حزم : روى ابن أبي شيبة وروى مالك في الموطأ : صح عن ابن عباس إيجاب الزكاة في كل مال يزكى حين يملكه المسلم . وممن روى عنه تعجيل الزكاة من المال المستفاد دون انتظار الحول ابن مسعود ومعاوية من الصحابة وعمر بن عبد العزيز والحسن والزهري من التابعين .(انظر المحلى جـ 6 /صـ : 83 -85 ).
قال الشيخ يوسف القرضاوي في (فقه الزكاة):الذي أختاره أن المال المستفاد كراتب الموظف وأجر العامل ودخل الطبيب والمهندس والمحامي وغيرهم من ذوي المهن الحرة وكإيراد رأس المال المستغلّ في غير التجارة كالسيارات والسفن والطائرات والمطابع والفنادق ودور اللهو ونحوها يشترط لوجوب الزكاة فيه مرور الحول بل يزكيه حين يقبضه.
ثم ذكر النقاط التالية من الأدلة نختصرها فيما يلي :
1 ). أن اشتراط الحول في كل مال حتى المال المستفاد منه ليس فيه إجماع ولا نص في مرتبة الصحيح أو الحسن الذي يؤخذ منه حكم شرعي عام للأمة وتقيد به النصوص المطلقة وهذا ما صرح به علماء الحديث ,وإنما صح ذلك من قول بعض الصحابة كما ذكرنا .
2 ). أن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم اختلفوا في المال المستفاد فمنهم من اشترط له الحول ومنهم من لم يشترط وأوجب إخراج الزكاة منه حين يستفيده المسلم , وإذا اختلفوا لم يكن قول بعضهم أولى من بعض وردّ الأمر إلى النصوص الأخرى , وقواعد الإسلام العامة كما قال تعالى :  فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول  (النساء:59).
3 ). إن من لم يشترط الحول في المال المستفاد أقرب إلى عموم النصوص وإطلاقها ممن اشترط الحول إذ النصوص الموجبة للزكاة في القرآن والسنة جاءت عامة مطلقة وليس فيها اشتراط الحول مثل "هاتوا ربع عشر أموالكم " "في الرقة ربع العشر ". كما يؤيد ذلك عموم قوله تعالى :  يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم  . فقوله :  ما كسبتم  لفظ عام يشمل كل كسب من تجارة أو وظيفة أو مهنة . وقد استدل الفقهاء بها على زكاة التجارة فلا غر وان نستدل بها على زكاة كسب العمل والمهنة , وإذا كان الفقهاء قد اشترطوا الحول في زكاة التجارة فذلك لنزر الفصل بين أصل المال والربح المستفاد منه فقد يتحصل الربح يوما يوما ربما ساعة ساعة .بخلاف الرواتب ونحوها فإنها تأتي مستقلة ومقدرة .
4 ). وإذا كان عموم النصوص وإطلاقها سند من لم يشترط الحول في المال المستفاد فإن القياس الصحيح يؤيده كذلك قياس وجوب لزكاة في النقود ونحوها حين يستفيدها المسلم على وجوب الزكاة في الزرع والثمار عند الحصاد والجداد فإذا كنا نأخذ من الزارع ولو مستأجرا عشر زرعه وثمره أو نصف عشره فلماذا لا نأخذه من الموظف أو الطبيب مثلا ربع عشر كسبه ؟ وقد قرن الله بين ما كسبه المسلم وما أخرجه الله من الأرض في أية واحدة فقال :  يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض  (البقرة:267). فلماذا نفرق بين أمرين نظمها الله في عقد واحد وكلاهما من رزق الله وإنعام الله؟.
5 ). إن القول باشتراط الحول في المال المستفاد انتهى إلى تناقض خلي يأباه عـــــدل الإسلام وحكمته في
فرض الزكاة .من ذلك أن الفلاح الذي يزرع أرضا مستأجرة يؤخذ منه على المفتى به في المذاهب السائدة 10 % أو 5 % من غلة الأرض إذا بلغت 653 كغ بمجرد حصاد الزرع وتصفية الخارج . أما مالك الأرض نفسه الذي قد يقبض في ساعة واحدة مائات الدنانير أو آلافها من كراء هذه الأرض فلا يؤخذ منه شيء على المفتى به في المذاهب السائدة أيضا لأنهم يشترطون أن يحول الحول على هذه المائات أو الآلاف في يده وقلما يكون .وكذلك الطبيب والمهندس والمحامي وصاحب سيارات النقل أو صاحب الفندق إلى آخره وما أدى إلى هذا التناقص إلا التقديس لأقوال فقهية غير معصومة , انتهى إليها اجتهاد علماء يؤخذ من كلامهم ويترك وما يدرينا أنهم لو أدركوا هذا العصر وشهدوا ما شهدنا لغيروا اجتهادهم في كثير من المسائل ؟ كما هو معلوم من سير الأئمة رضي الله عنهم .
6 ). أن تزكية المال المستفاد عقب استفادته ومنه الرواتب والأجور وإيراد رؤوس الأموال غير التجارية وما في حكمها وإيراد ذوي المهن الحرة أنفع للفقراء والمستحقين حيث يمكن أن تأتي بحصيلة ضخمة لبيت مال الزكاة مع سهولة التحصيل للحكومة وسهولة دفع الزكاة على المموّل وذلك بأخذها من رواتب الموظفين والعمال في الحكومة والمؤسسات عن طريق ما يسميه علماء الضريبة (الحجز في المنبع)على نحو ما كان يفعل ابن مسعود ومعاوية وعمر بن عبد العزيز رصي الله عنهم من اقتطاع الزكاة من العطاء إذا أعطوه وكلمة العطاء تعني رواتب الجند ومن في حكمهم في ذاك العهد . قال أبو الوليد الباجي : العطاء في الشرع واقع على ما يعطيه الإمام للناس من بيت المال على سبيل الأرزاق " الرواتب". روى ابن أبي شيبة عن هبيرة قال : كان ابن مسعود يزكي أعطيا تهم من كل ألف خمسة وعشرين .
ورواه الطبراني عنه أيضا وعن عون عن محمد قال : رأيت الأمراء إذا أعطوا العطاء زكّوه . وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يزكي العطاء والجائزة . وروى مالك في الموطأ عن ابن شهاب أنه قال : أول من أخذ من الأعطية الزكاة معاوية بن أبي سفيان . ويظهر أنه يريد أول من أخذ من الخلفاء وقد أخذ قبله عبد الله بن مسعود كما ذكرنا .
7 ).أن إيجاب الزكاة في تلك الدخول المستفادة يتفق وهدى الإسلام في غرس معاني البر والبذل والمواساة والإعطاء في نفس المسلم والإحساس بالمجتمع والمشاركة في احتمال أعبائه وجعل ذلك فضيلة دائمة له وعنصرا أساسيا من عناصر شخصيته . قال تعالى في أوصاف المتقين:  ومما رزقناهم ينفقون .
وقال سبحانه :  يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم  . ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم على كل مسلم صدقة من ماله أو من كسبه وعمله أو مما يستطيع . روى البخاري عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : على كل مسلم صدقة فقالوا : يا نبي الله فمن لم يجد ؟ قال : يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق, قالوا : فان لم يجد, قال : يعين ذا الحاجة الملهوف, قالوا : فإن لم يستطع ؟, قال : فليعمل ( وفي رواية فليأمر ) بالمعروف وليمسك عن الشر فإنها له صدقة .
والخلاصة أنني الفقير إلى عفو الله محمد نجيح أوافق ترجيح شيخ الشيخ محمد محفوظ الترمسي رحمهما الله وجوب الزكاة في الأوراق المالية لكن بعلة أنها صارت أثمانا معتبرة قائمة مقام الذهب والفضة كانت في الزمان الماضي متضمنة لقيم النقدين أو أحدهما فهذا التضمن كان موجودا واقعا ثم زالت هذه الحالة وبقي وصف الثمنية موجودا في الأوراق المالية وأيضا أن علة جريان الربا في الذهب والفضة الثمنية التي هي من جملة أنواع النماء وقد حصلت الثقة بالأوراق المالية كوسيط في التداول والتبادل فتجري فيها أحكام النقدين تماما في الربا والزكاة والقراض وكونها رأس مال في السلم والشركات ونحوها قال الشيخ محمد نووي البنتني في كتابه التوشيح على فتح القريب : [ ولا يبيع الوكيل بالفلوس وان راجت رواج النقود ] وهذا مبني على أن المراد بالنقود ما كان من الذهب والفضة خاصة والمعتمد أن المراد به ما يتعامل به في البلد عادة فيشمل الفلوس والقرطاس اللذين جرت العادة بالمعاملة بهما . إهـ (قوت الحبيب؛ صـ : 155 ).
وكذلك أنا موافق لترجيح واختيار الشيخ يوسف القرضاوي وجوب الزكاة في المال المستفاد كالرواتب وأجور العمال ودخل الطبيب والمهندس والمحامى ونحوهم من ذوي المهن الحرة وكغلة العمارات المؤجرة والمصانع والسفن والطيارات والسيارات المستأجرة لعلل ثلاث :
1). إن الله أوجب في كل مال حقا معلوما أو زكاة أو صدقة لقوله تعالى :  والذين في أموالهم حق معلوم  وقوله تعالى:  خذ من أموالهم صدقة . وقوله صلى الله عليه وسلم: "( أدوا زكاة أموالكم )" من غير فصل بين مال ومال . وقد رد ابن العربي على الظاهرية الذي نفوا وجوب الزكاة في عروض التجارة لعدم ورود حديث صحيح فيها فقال : قول الله عز وجل :  خذ من أموالهم صدقة  عام في كل مال على اختلاف أصنافه وتباين أسمائه واختلاف أغراضه فمن أراد أن يخصه في شئ فعليه الدليل.
2). إن علة وجوب الزكاة في المال معقولة وهي النماء كما نص الفقهاء الذين يعللون الأحكام ويعملون بالقياس وهم كافة فقهاء الأمة ما عدا حفنة قليلة من الظاهرية والمعتزلة والشيعة . ومن هنا لم تجب الزكاة في دور السكنى وثياب البذلة وحلي الجواهر وآلات الحرفة وخيل الجهاد بالإجماع وكان القول الصحيح سقوط الزكاة عن العوامل من الإبل والبقر وعن حلي النساء المستعملة المعتادة وعن كل مال لا ينمو بطبيعته أو بعمل الإنسان . وإذا كان النماء هو العلة في وجوب الزكاة فإن الحكم يدور معه وجودا وعدما فحيث تحقق النماء في مال وجبت فيه الزكاة وإلا فلا .
3). إن حكمة تشريع الزكاة وهي التزكية والتطهير لأرباب الأموال أنفسهم والمواساة لذوي الحاجة والإسهام في حماية دين الإسلام ودولته ونشر دعوته تجعل إيجاب الزكاة هو الأولى والأحوط لأرباب المال أنفسهم حتى يتزكوا ويتطهروا وللفقراء والمحتاجين حتى يستغنوا ويتحرروا وللإسلام دينا ودولة حتى تقوى شوكته وتعلو كلمته . وقد قال الكاساني في دلالة العقل على فرضية العشر فيما خرج من الأرض : إن إخراج العشر إلى الفقير من باب شكر النّعمة وإقدار العاجز وتقويته على القيام بالفرائض ومن باب تطهير النفس من الشح ومن الذنوب وتزكيتها بالبذل والإنفاق وكل ذلك لازم عقلا وشرعا .إهـ. (منقولا من فقه الزكاة؛ صـ :462-460 ).
والحاصل أن في وقت وجوب إخراج الزكاة في هذه الأموال المستفادة خلافا , فعند الجمهور يجب بمضي الحول وعند أهل الحديث كابن حزم والشوكاني والمتأخرين من العلماء المعاصرين كالشيخ يوسف القرضاوي يجب أداء زكاتها بمجرد قبضها يوم استلامها وهذا بلا شك أنفع للفقراء والمساكين وأحوط للمالك المستفيد وأنا الفقير قائل بالتخيير بين القولين توسعة للعباد في هذا الأمر فالمهم عندنا أداءها والوقت أمر ثانويّ راجع إلى سخاوة النفوس وطمأنينة القلوب وتيسر الظروف والأحوال , ففي رحمة الأمة في اختلاف الأئمة للإمام محمد بن عبد الرحمن الشافعي ما نصه:
( فصل ) والحول شرط في وجوب الزكاة بالإجماع وحكي عن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا بوجوبها حين الملك ثم إذا حال الحول وجبت مرة ثانية وأن ابن مسعود إذا أخذ عطاء زكاه .اهـ (صـ :74 /ط : ماليزيا) . والله أعلم . وفي رأيي ونظري أن الموظّفين والعمال هم أجراء على أعمالهم وأن الإجارة نوع من التجارة لأن المال كما قال ابن حجر في (تحفته جـ : 3 /ص : 296 ) ينقسم إلى عين ومنفعة فالموظّف عندي استعمل منفعة بدنه ( ويصح أن يقال : قلّب منفعة بدنه واتجر فيها ) لأجل الأجرة التي هي الربح ويدل على قولي أن الموظف أجير نصّ فقهاءنا الشافعية أن عامل الزكاة أجير يستحق أجرة المثل من الزكاة . فهل يلزمني أن أحكم أو أفتي بصحة الإجارة مع قول العلماء انها إجارة ؟ وهل لا أكتفي بنصهم وقولهم هذا ؟ أو ليس لعلمائنا الشافعية عقود تسمى قرضا حكميا وإجارة حكما ولهم قاعدة هل العبرة في العقود بصيغها أم بمعانيها ؟ وأما اشتراط قصد التنمية فأنا لا أقول به وانما أقول بعنصر النماء أي يشترط في الزكاة أن تكون الأموال نامية بالفعل أو بالقوة فيكفي أن تكون قابلة للنماء . وهذه الأجور والرواتب بلا شك قابلة للنماء والربح والتبادل والتداول بل هي عين الربح فيما زاد على الحاجات وقد ذكرنا أن من شروط الزكاة في المال المستفاد بل في جميع الأموال الزكوية أن تكون زائدة على الضرورات والحاجات وفاضلة عن وفاء الدين المانع من الوجوب في قول أكثر العلماء . والله أعلم . فإذا بلغت أجور العمال ورواتب الموظفين نصابا في آخر الحول وجبت الزكاة فيها فيما زاد على قدر الحاجات اللازمة. والبلية كل البلية أنني لم أجد عبارة صريحة من كتب علمائنا الشافعية تؤيد فهمي ورأيي هذا لكني أحمد الله تعالى أن تفضل وامتنّ عليّ بأن أتمسك بظاهر قوله تعالى :  وأنفقوا من طيبات ما كسبتم  وهذه الرواتب والأجور بلا شك من أرباح المكاسب ومن الطيبات إذا كان العمل حلالا غير مخالف لشرع الله وربحية هذا الكسب بلا شك تفضل ربح التجارات في غالب الأحوال . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الكسب أطيب , قال : "(عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور)" فالعمل مقدم على البيع فإذا وجبت الزكاة في البيع أي عروضه فبالأولى أرباح الأعمال .
قال مالك : ومن آجر نفسه فإن إجارته أيضا فائدة لا يجب فيه عليها الزكاة حتى تقبضه ويحول عليه الحول من يوم تقبضه وما فضل بيد المكاتب بعد عتقه من ماله فهو مثله لا زكاة عليه فيه حتى يحول عليه الحول من بعد عتقه .إهـ. (المدونة الكبرى : جـ:1/صـ:231 ). وفي حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء لسيف الدين أبي بكر محمد بن أحمد الشاشي القفال (جـ:3/صـ:94 )ما نصه : فأما الثمن في البيع قبل القبض والأجرة في الإجارة قبل استقرارها فقد ذكر الشيخ أبو حامد رحمه الله تعالى : أن الزكاة تجب فيها قولا واحدا وفي إخراجها في الحال قولان وحكى القاضي أبوا الطيّب رحمه الله أن القولين في وجوب الزكاة فيها فإذا آجر دارا أربع سنين بمائة دينار فالأجرة حالّة وهل يجب إخراج الزكاة عن جميع الأجرة فيه قولان نصّ في البويطي أنه يزكي الجميع . وقال في الأمّ ونقله المزني أنه يخرج زكاة ما استقر ملكه عليه . وقد اتفقنا نحن الإخوان من أهل رابطة علماء الكعبة بجاوي الوسطى في سماراع ليلة الثلاثاء 28 ذو الحجة 1422 هـ . أن رواتب الموظفين وكسب العمل والمهن تحب فيها الزكاة إذا قبضت وبلغت نصابا وحال عليها الحول من باب الزكاة النقود الورقية المقيسة على الذهب والفضة أو إذا اتجر فيها مع النية وبلغت نصابا آخر الحول من باب زكاة التجارة اعتمادا على ما في الفتاوى الكبرى لابن حجر الهيتمي ونصه : وسئل رضي الله عنه عمن أكرى مزرعا لأحد على أن له شيئا معلوما من الغلة كل سنة فهل يجب عليه إذا أخذ تلك الأجرة أن يؤدي زكاتها إذا بلغت نصابا أو لا وإذا كانت الأجرة درهما أو دينارا ماذا حكمها ؟ فأجابها بقوله : لا يلزمه زكاة الأجرة إذا كانت حبّا إلاّ إذا كان للتجارة ووجدت فيه شروطها أو نقدا إلاّ إن مضى عليه حول من حين ملكها وهي نصاب . والله أعلم .
الفوارق الأساسية بين الزكاة والضرائب
وفي ختام البحث أنقل لكم وأسوق إليكم كلام الشيخ ابن حجر الهيتمي رحمه الله في الزواجر حينما رد على من زعم أن المكس والضريبة محسوبان من الزكاة :
واعلم أن بعض فسقة التجار يظن أن ما يؤخذ من المكس يحسب عنه إذا نوى به الزكاة وهذا ظن باطل لا مستند له في مذهب الشافعي لأن الإمام لم ينصب المكاسين لقبض الزكاة ممن تجب عليه دون غيره وإنما نصبهم لأخذ عشور أي مال وجدوه قلّ أو كثر وجب فيه الزكاة أو لا . وزعم أنه إنما أمر بأخذ ذلك ليصرفه على الجند في مصالح المسلمين لا يفيد فيما نحن فيه لأنا لو سلمنا أن ذلك سائغ بشرطه وهو أن لا يكون في بيت المال شيء واضطر الإمام إلى الأخذ من مال الأغنياء لكان أخذه غير مسقط للزكاة أيضا لأنه لم يأخذه باسمها . والمكسة وأعوانهم عزّ من تجد فيهم مستحقا للزكاة لأنهم كلهم لهم قدرة على صنعة وكسب ولهم قوة وتجبر لو صرفوه في تحصيل مؤنتهم من كسب حلال لاستغنوا به عن هذه الفاحشة القبيحة . وقد جعل العلماء المكاسين من جملة اللصوص وقطاع الطريق بل أشر وأقبح ولو أخذ منك قطاع الطريق مالا فنويت به الزكاة فهل ينفع ذلك مطلقا ؟ فكما أن ذاك لا ينفعك ولا يجديك شيئا فأجدر هذا . ولقد شنّع العلماء على بعض الجهال الزاعمين أن الدفع إلى المكاسين بنية الزكاة يجديهم وأطالوا في رد هذه المقالة وتسفيهها وأن قائلها جاهل لا يرجع إليه ولا يعول عليه فتأمل ذلك واعمل به تغنم إن شاء الله تعالى . إهـ. (الزواجر عن اقتراف الكبائر جـ :1 /صـ : 149 ).
ويتحدث الداعية الإسلامي الجليل السيد أبوا الحسن الندوي في كتابه " الأركان الأربعة " عن سمات الزكاة الإسلامية البارزة . فمن أبرزها وأعمقها في التأثير ما يقترن بهذه الفريضة من روح الإيمان والاحتساب وهي الروح التي تتجرد منها الضرائب الرسمية . ثم يعرض لسمة أخرى ذات أهمية ودلالة بالغة فيقول : والسمة الثانية البارزة التي تميز الزكاة عن سائر الجبايات والضرائب التي كانت تفرض في زمان الملوك والسلاطين وفي عهد الحكومات الشخصية أو في عصرنا الحاضر في الجمهوريات وحكومات الشعوب وتجعلها تختلف عنها اختلافا واضحا في البداية والنهاية وفي النتائج والآثار هي وضعها الشرعي الذي قرره الرسول صلى الله عليه وسلم بلفظه المعجز الحكيم وتعبيره النبوي الدقيق الذي يعد من جوامع الكلم فقال : "(تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم )". فهي تؤخذ من الأغنياء الذين يستوفون شروط وجوبها ويملكون النصاب المعين المنصوص وتصرف في مصارف عينها الله تعالى في القرآن ولم يكلها إلى رأي مشرّع أو مقنّن أو حاكم أو عالم وهو قوله تعالى :  إنما الصدقات للفقراء 000الآية  . وتفضّل الشريعة وترجّح الأحاديث النبوية أن تصرف هذه الصدقات على فقراء البلد الذي تجبى فيه . وبالعكس من ذلك الجبايات والضرائب والمكوس التي تفرضها الحكومات اليوم فهي صورة مقبولة معكوسة للزكاة , فهذه الضرائب الصغيرة منها والضخمة تؤخذ من الفقراء وأوساط الناس وترد على الرؤساء والأغنياء والأقوياء أنها تجتمع بعرق جبين الفلاحين والعملة والتجار الذين يشتغلون ليل نهار في متاجرهم ودكاكينهم وتصرف هذه الأموال بسخاء بل بقسوة نادرة ووقاحة زائدة في استقبال رؤساء الجمهوريات الزائرين للبلاد وفي ولائمهم التي ولائم ألف ليلة وليلة الخيالية الأسطورية وفي المهرجانات التي يحتفل بها بين حين وحين وفي مآدب السفارات في البلاد الأجنبية التي تجري فيها الخمر جري الأنهار وفي بناء التماثيل وصور الأبطال والمنارات الشاهقة والقصور العوالي الفائقة وساحات الألعاب الرياضية وفي دور اللهو والمعاصي في أماكن السياحة وفي دعايات الحكومة التي تستنفد موارد الشعب وتمتصّ دماءه وتحول بين رجل الشعب وقوته . فما من حكومة شعبية ديموقراطية ولا من حكومة شيوعية أو اشتراكية إلا وهي تمتصّ دم الشعب كالإسفنج وتصبه في بحر الدعاية والرشاء السياسي والتلبيس الصحفي ومحاكمة المعارضين من المجرمين . إهـ. (الأركان الأربعة للشيخ أبي الحسن الندوي صـ : 120-122 ) بتصرف .
وبعد فهذه الكتابة مساهمة ومشاركة مني في إحياء فريضة الزكاة في بلادنا إندونيسيا التي وقعت في متاهات الضلال ومهاوي الفساد بحصول الكوارث الإيمانية والأخلاقية والأزمات السياسيات والاقتصادية فلا نجاة لها إلا بالاحتكام والرجوع إلى الشريعة الإسلامية وتطبيقها .
فالله يوفّق حكامها وشعوبها إلى هذا السبيل الأقوم والمنهاج الأسلم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين .
كتبه الفقير إلى عفو ربه
محمد نجيح بن ميمون بالمعهد الديني الأنوار سارانغ رمبانغ
ليلة الخميس 17 ذي القعدة 1422 هـ .

Related Posts by Categories



Tidak ada komentar:

Posting Komentar